أفاد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار، مساء اليوم الإثنين، بأنّ "تونس دولة ذات سيادة وهي مسؤولة عن حياة كلّ من يعيش على ترابها مهما كانت جنسيته"، مضيفاً أنّ "تونس آخر بلد يمكن أن يُتّهم بالعنصرية". يأتي ذلك في حين تُسجَّل مغادرة طوعية للطلاب من دول أفريقيا جنوب الصحراء الذين يتابعون دراستهم في تونس، على الرغم من التطمينات الرسمية.
ورأى عمار في مؤتمر صحافي عقده بمقرّ الوزارة أنّ موضوع الهجرة أخذ أبعاداً ما كان يجب أن يأخذها، فثمّة قوانين تضبط الإقامة في تونس، من بينها قانون 1968. أضاف عمار أنّه لا بدّ من توضيح نقاط عدّة حول الهجرة ومهاجري أفريقيا جنوب الصحراء، مشيراً إلى أنّ اجتماعاً عُقد مع سفراء دول أفريقيا جنوب الصحراء لدى تونس في مقرّ وزارة الشؤون الخارجية وصار في خلاله التأكيد على سلامة كلّ من يعيش في تونس. وتابع عمار أنّ السفراء أبدوا تفهّمهم وعلموا أنّ "جزءاً من الأزمة مفتعل".
وتحدّث وزير الشؤون الخارجية عن "تشويه بفعل فاعل، بل ثمّة من يعمل على استغلال الأزمة للتشويش". وأكد عمار أنّهم يستنكرون مثل هذه الحملات، موضحاً أنّ "العمل الدبلوماسي سوف يتكثّف في الفترة المقبلة ليكون أكثر نجاعة"، مشيراً إلى أنّه في حال ارتُكبت تجاوزات بحقّ المهاجرين فهي تأتي "فردية" وقد لوحق الجناة وتمّ توقيفهم.
يُذكر أنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد كان قد دعا في خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، في 21 فبراير/ شباط الماضي، إلى وضع حدّ لما قال إنّه تدفق "أعداد كبيرة" من المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى بلاده، وقد عدّ الأمر "ترتيبا إجراميا يهدف إلى تغيير تركيبة تونس الديموغرافية".
في سياق متصل، يسجّل طلاب الجامعات التونسية من دول أفريقيا جنوب الصحراء أسماءهم على قوائم الراغبين في العودة إلى بلدانهم، على خلفية الحملة التي تستهدف المهاجرين غير النظاميين في تونس وما تعرّض لهم الطلاب من ممارسات عنصرية. وهذا الأمر يكلّف كثيرين منهم خسارة سنوات دراسية. يأتي ذلك على الرغم من بيانات المساندة التي تصدرها الجامعات ووعود السلطات الرسمية بالتمديد الآلي لإقامتهم القانونية في تونس.
وكانت رئاسة الجمهورية قد أقرّت، أمس الأحد، جملة من الإجراءات، من بينها تسليم بطاقات إقامة لمدّة سنة للطلاب من البلدان الأفريقية، وذلك بقصد تسهيل إقامتهم في تونس، مع تمكينهم من التجديد الدوري لوثائقهم في آجال مناسبة، بالإضافة إلى التمديد من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، وتسهيل عمليات المغادرة الطوعية لمن يرغب في ذلك في إطار منظم وبالتنسيق المسبق مع السفارات والبعثات الدبلوماسية للدول الأفريقية في تونس.
وفي حديث إلى "العربي الجديد"، قال رئيس جمعية الطلاب من دول أفريقيا جنوب الصحراء في تونس كريسيان كنوغانغ إنّ الجمعية "ما زالت تتلقّى إشعارات عن تعرّض طلاب للمضايقات والعنف من قبل تونسيين يرفضون وجودهم". أضاف كنوغانغ أنّ "28 من الطلاب الماليين غادوا فعلاً تونس بقرار شخصي منهم ومن أسرهم، خوفاً من ردود فعل عنصرية ضدّهم"، مشيراً إلى أنّ "عشرات من زملائهم في جامعات خاصة وحكومية ينتظرون ترحليهم في الأيام المقبلة".
وعبّر كنوغانغ عن أسفه إزاء "قطع طلاب الجامعات دراستهم وتخلّيهم عن طموحاتهم بسبب رفض المهاجرين الأفارقة في تونس". وتابع أنّ "الطلاب منقطعون عن الدراسة ويخشون الذهاب إلى جامعاتهم، وركوب وسائل النقل العامة والخاصة التي تمتنع أحياناً عن نقلهم". وأمل كنوغانغ بأن "يساعد القرار الرسمي الصادر أمس الأحد المتعلق بإقامات طلاب الجامعات في تهدئة الأوضاع، وبعث رسائل إيجابية إلى هؤلاء وإلى نحو 800 متربّص أمّنوا تدربيات لهم في اختصاصات متعدّدة في مؤسسات تونسية".
ويبلغ عدد الطلاب من دول أفريقيا جنوب الصحراء المسجّلين في الجامعات التونسية الخاصة نحو ثمانية آلاف طالب، وهم يمثّلون نحو 15 في المائة من طلاب هذه الجامعات.
بدورها، تسعى الجامعات الحكومية التونسية إلى احتواء أزمة الطلاب، وقد عبّرت جامعة صفاقس، اليوم الإثنين، عن مساندتها طلابها من دول أفريقيا جنوب الصحراء. وأصدرت بلاغاً موجّهاً إلى الطلاب الدوليين عموماً وهؤلاء المتحدّرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء تطمئنهم بـ"أنّهم وكما جرت العادة، في الماضي والحاضر وفي المستقبل، معزّزون ومكرّمون في جامعة صفاقس، جامعتهم، وفي تونس بلدهم".
وأكّدت جامعة صفاقس أنّ "جميع مصالح الجامعة بالكليات والمدارس والمعاهد العليا تتابع بكلّ يقظة شؤونهم وتسعى إلى توفير كلّ الظروف الملائمة لتكوينهم وحسن إقامتهم"، موضحة أنّ كلّ خلايا الإنصات تبقى على ذمّتهم في كلّ وقت، علاوة على مكتب رئاسة الجامعة للتدخّل في حال وجود أيّ طارئ أو مساس بحقوقهم المعنوية والمادية". وشدّدت الجامعة على أنّها "دأبت على هذا المبدأ بكلّ هياكلها، حفظاً لحقوق الطالب وحقوق الإنسان وفق المواثيق والمعايير الدولية وروح التعايش والتسامح في تونس".