الحياة في حجرين

13 مارس 2021
زينب مرعي
13 مارس 2021
+ الخط -

بين الحجر الأول والثاني الذي نعيشه في لبنان، اختلفت أمور كثيرة. تغيّرات كثيرة طرأت علينا نحن والعالم كله من حولنا، خلال أزمة وباء كورونا المستمرة هذه. في الحجر الأول، ساد الضجيج في الأحياء السكنية. كان يمكنك سماع جيرانك يتشاجرون، تارة بين أفراد العائلة الواحدة وتارة بعضهم مع بعض. تعلو أصواتهم، يتخاصمون ثم يتصالحون. والأطفال يلعبون في الزواريب، أهلهم يرتشفون القهوة على الشرفات، يراقبونهم ويتحاورون بعضهم مع بعض. 
في السابق، لم تكن أصواتهم تعلو في الخارج هكذا، لكن الملل يبيح كل شيء. كأن أصواتهم هذه، ليست سوى محاولاتهم للتأقلم مع الوضع الجديد. وفي خضم كلّ هذا الضجيج، كان هناك من يحاول أن يعمل من البيت، وهناك أيضاً من خسر عمله بسبب الحجر، وما يرافق ذلك من قلق على الوضع المادي كما القلق من المستقبل نفسه. مدارس الأطفال أقفلت، ومن بينهم من لم يستطيعوا بدء رحلتهم التعليمية حتى، بسبب الجائحة. 
كلّ فرد، في عائلاتنا الكبيرة نسبياً (تحسد هنا من يقضي فترة الحجر وحده)، يحاول أن يرسي قواعد احترامه واحترام عمله في المنزل، الذي ما عاد هناك من مجال لمغادرته. فأنظمة دول هي التي تخبرك الآن بأنه لا يمكنك الخروج من منزلك. لا تستطيع أن تأخذ قراراً بسيطاً كهذا بنفسك. وطبعاً فوق كلّ ذلك، شبح المرض الجديد يخيّم فوق رؤوسنا. 

خرجنا إلى الضوء قليلاً، ليعيدونا بسرعة إلى عتمة المنازل. تمّ تجديد الحجر مرة أخرى. لكن في الحجر الثاني، ساد السكون. حلّ الصمت في الحيّ. أصوات الجيران وأطفالهم اختفت، وما عدنا نسمعها سوى عندما يبكون عزيزاً فقدوه بالمرض. تفكر في من يقضي فترة الحجر وحده وتحزن. ورويداً رويداً سيطرت علينا الكآبة والملل، وساد شيء من التخلي حطّم حتى رغبتنا في الشجار الذي يبدو أنه كان صحياً، مقارنة مع الوضع اليوم! 
اللقاح هنا. يخبروننا بأنّ هناك أملاً، وسنخرج قريباً إلى الحياة. من منّا سيكون محظوظاً كفاية ليحظى بفرصة العودة إلى الحياة الطبيعية؟ قبل الوصول إلى الحجر الثاني، كثر من بيننا كانوا قد أصيبوا بالفيروس. اختبرناه وأرهقنا. وخلال هذا الوقت، تأقلمنا مع البقاء في المنزل. تعوّدنا على العمل والتسوّق والدراسة، وحتى زيارة الأحبة من خلف شاشاتنا. لكننا صرنا نفعل كل شيء بشكل ميكانيكي، بدون روح ولا شغف أو متعة. نفكر كيف أننا صرنا نرضى بأشياء لم نكن لنرتضيها من قبل، لو أنّ العالم كله ليس في حالة إقفال، يأخذ كبوة، في انتظار أن يستفيق. 
ليس الفيروس وحده الذي يتحوّر، إذ إنّ العالم كله تحوّر أيضاً، وكأنه يعيد التفكير وبرمجة نفسه للتأقلم مع الوضع الجديد. تغيّر لدرجة أننا إذا ما انتهى هذا الوباء يوماً، لا نعرف إن كنّا سنخرج إلى العالم ذاته الذي كنا نعيش فيه… وفي كل هذا تقول، ربما الطبيعة هي الوحيدة الممتنة لبقائنا في منازلنا.

المساهمون