تشتهر منطقة الجزيرة السورية، التي تشمل المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية من سورية، أي محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، بثروتها الزراعية التي تعد مورد رزق رئيسياً لأهلها، لا تقل أهميته عن النفط. إلا أن الثروة الحيوانية بشكل عام، وخصوصاً الأغنام، عانت أخيراً من مشاكل كثيرة، منها إصابتها بالأمراض وتراجع الدعم الحكومي، من دون أن ننسى تأثير الحرب على هذا القطاع بشكل عام.
وخلال الفترة الأخيرة، تواجه المنطقة تحدياً جديداً يتمثل في إصابة الماشية بفيروس الحمى القلاعية، الأمر الذي يؤثر سلباً على مورد رزق عدد كبير من سكان الجزيرة السورية، وخصوصاً أن كثيرين يعتمدون على تربية المواشي والزراعة. والحمى القلاعية مرض حيواني فتاك يصيب جميع الحيوانات ذات الحافر المشقوق، كالأبقار والجواميس والخنازير والأغنام والماعز، الأليفة منها والبرية. وتطور الحيوانات المصابة بالمرض حويصلات مليئة بالسوائل على قدميها، أو لسانها، أو فمها، أو أنفها، أو خطمها، أو حلماتها. وتترك الحويصلات المتفجرة الجلد الطري مكشوفاً وتؤدي إلى العرج والالتهابات البكتيرية. وقد تنفق الحيوانات الأصغر سناً وتعاني الحيوانات الأكبر سناً من انخفاض جودة الحليب وإنتاجه وتكون على الأرجح غير قادرة على الحركة أو الأكل، مع خسارة لاحقة في الوزن.
وكانت مديرية الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي التابعة للنظام تقوم بحملات تلقيح للحيوانات ضد الحمى القلاعية قبل اندلاع الثورة، إلا أن تلك الحملات تراجعت وأصبحت تقتصر على بعض الوحدات الإرشادية العاملة في مناطق سيطرة النظام فقط.
في هذا السياق، يقول الطبيب البيطري عماد خلف، من مدينة القامشلي، لـ"العربي الجديد"، إن الفيروس ينتقل بالعدوى بين الحيوانات المصابة عن طريق الهواء والمخالطة، ويمكن أن ينتقل عن طريق تلوث المعالف والمشارب والحظائر، مشيراً إلى أن أعراضه تتمثل بسيلان لعاب الحيوان وارتفاع في درجات الحرارة ونقص في كميات الحليب. يضيف: "في الوقت الحالي، ما من إمكانيات في المنطقة لإثبات أو التأكد مخبرياً أو تشخيص الحالات المرضية، والقول إن هذه الحالة أو تلك مصابة بفيروس الحمى القلاعية بسبب عدم توفر اختبارات تؤكد الإصابة، لأن هذا المرض يحتاج إلى اختبارات لا تختلف عن اختبارات فيروس كورونا الجديد الذي يصيب البشر".
ويشير خلف إلى أن المربين يلاحظون مرض مواشيهم، وقد تشير الأعراض إلى إصابتها بالحمى القلاعية. لكن في بعض الأحيان، قد يكون الحيوان مصاباً بتسمم علفي أو تعفن حافر أو شيء آخر. وعن اللقاحات المتوفرة وإمكانية الوقاية، يقول إن اللقاح المعتمد والوحيد والسليم هو الروسي الذي يصنّع خصيصاً لسورية عن طريق وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، وتصنّعه معامل موجودة داخل الأراضي السورية. ويلفت إلى أن بعض المنظمات العاملة في المناطق الشرقية لعبت دوراً تخريبياً، وساهمت في نشر وتعقيد الكثير من الأمراض من خلال حملات تلقيح على نطاق ضيق. كما كانت تستخدم اللقاحات التي تأتي عن طريق المناقصات نظراً لسعرها المنخفض، وهذا يعني جودة أقل، وغالباً ما تكون غير معتمدة وبالتالي تتسبب في حدوث خلل في الصحة العامة البيطرية.
كما يشير خلف إلى أن المنظمات توزّع أغناماً على المدنيين تكون قد جلبتها عن طريق المناقصات التي يتم فيها تسويق الأغنام المريضة أو الضعيفة، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض المختلفة وليس فقط الحمى القلاعية. وهنا، يشدد على أن الحديث عن أمراض المواشي مسألة حساسة تحتاج إلى الكثير من الدقة، موضحاً أن الأرقام المتداولة قد لا تكون صحيحة.
من جهته، يقول المربي أحمد الحسن، من بلدة القحطانية في ريف الحسكة، لـ"العربي الجديد"، إنّ الطبابة البيطرية وشراء الأدوية أصبحت عبئاً إضافية يثقل كاهل أصحاب المواشي، ما يضطرهم أحياناً إلى تخفيف كميات العلف.
ويسأل المربي مطر الهزاع، من بلدة الجوادية في ريف الحسكة، عن عدم دعم مديرية الثروة الحيوانية التابعة للنظام لمربي المواشي بالأعلاف والأدوية، مشيراً إلى أن مراكزها ومستودعاتها مليئة بالعلف والأدوية لكن لا توزّعها على المتضررين.
بدوره، يقول الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية سليمان بارودو، لـ"العربي الجديد"، إن الأمراض التي تصيب المواشي، وخصوصاً الحمى القلاعية، تنتشر في مناطقنا لكن ليس كما يشاع، واللقاحات التي يتم الحصول عليها لا يتم فحصها وتحليلها بشكل دقيق وعلمي، بسبب عدم وجود مختبرات علمية متطورة. يضيف أن هناك لقاحات تصل إلى المنطقة عن طريق بعض التجار بوسائل غير نظامية، واللجان التابعة للإدارة وهيئات مراقبة الدواء تتابع هذه الأدوية غير الموثوقة، مشيراً إلى عدم وجود إحصائية دقيقة للثروة الحيوانية. أخيراً، أصدرت الإدارة تعميماً بإجراء إحصاء جديد، كون الأعلاف توزّع وفق إحصائيات قديمة. وهنا، قد يحصل مربّون على كميات قليلة بينما يكون آخرون قد باعوا أو فقدوا مواشيهم.
وبحسب إحصائيات غير رسمية، فإن عدد المواشي في منطقة الجزيرة السورية يتجاوز المليون و400 ألف رأس، أصيب نحو 10 في المائة منها بالحمى القلاعية، ويعتقد أن إقليم كردستان العراق أوقف استيرادها من سورية في 14 فبراير/ شباط الجاري نتيجة لذلك.