في مشهد غير مألوف في روسيا، يجلس شاب مسلم في مقهى يقع على أطراف العاصمة الروسية موسكو، ويشاهد عبر جهازه الخليوي مقطع فيديو يعرّف بالقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى ومكانته بين المسلمين، ما يعكس تغيراً في نظرة مسلمي روسيا الذين يقدّر عددهم بـ20 مليوناً إلى أزمات أبناء ديانتهم وقضاياهم في العالم، فيما أنهت الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها الأول من دون أن يلوح أي انفراج في الأفق، والتي يبدو جلياً أنها تحوّلت إلى الشغل الشاغل لمسلمي روسيا.
وفي بعض أقاليم شمال القوقاز، عجزت السلطات المحلية عن احتواء غضب المسلمين من الحرب الإسرائيلية على غزة، ما أخرج الوضع عن السيطرة وتسبب في حوادث عدة، أبرزها اقتحام مطار محج قلعة، عاصمة جمهورية داغستان، لدى وصول رحلة قادمة من تل أبيب. وفي وقت تتواصل فيه التحقيقات مع 15 موقوفاً في قضية اقتحام المطار، اتهمت السلطات الروسية قوى خارجية، بينها أوكرانيا، بالتحريض على تنفيذ الواقعة.
يقول عضو مجلس العلاقات بين القوميات التابع للرئاسة الروسية بوغدان بيزبالكو، لـ"العربي الجديد": "يرى مسلمون كثيرون في روسيا تحدياً شخصياً في مشاهد النزاع العربي – الإسرائيلي الحالي، ولقطات تدمير المباني ومعاناة النساء والأطفال والسكان المدنيين في غزة، وقد جرى حشد واستغلال هؤلاء المسلمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الأدوات الإعلامية، بينها أجهزة أوكرانية خاصة".
لكن ذلك لا يمنع بوغدان من نفي مزاعم تنامي ظاهرة معاداة السامية في روسيا، إذ يشدد على أن "لا معاداة للسامية في روسيا حيث يعيش اليهود ويعملون في هدوء، ولا تزال تنشط منظمات يهودية عدة، مثل المتحف اليهودي للتسامح في موسكو ومراكز ثقافية ودينية في أنحاء البلاد، والتي لم تتعرض يوماً إلى أي تمييز أو هجوم، وهو أيضاً حال يهود جبليون يقطنون في داغستان التي تتحدر منها أيضاً المطربة اليهودية الشهيرة ياسمين".
وفيما لم تبق ياسمين، وهي من مواليد مدينة دربند بداغستان عام 1977، في منأى عمّا حصل في جمهوريتها، أبدت افتخارها بالتعايش السلمي بين ممثلي مختلف الأديان والقوميات في داغستان، ودعت إلى السلام في كل منزل.
ويجزم الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، المستشرق كيريل سيميونوف، بأن "مسلمي روسيا شبه متفقين على دعم الفلسطينيين في صراعهم مع إسرائيل"، ويقول لـ"العربي الجديد": "يكاد جميع مسلمي روسيا بلا استثناء يدعمون المقاومة الفلسطينية، ويجري الدعاء في كل المساجد تقريباً من أجل فلسطين، ولا يتردد كثيرون في إعلان دعمهم لحركة حماس وليس فقط للمقاومة الفلسطينية. في المقابل، يحمّل بعض المسلمين الفلسطينيين أنفسهم مسؤولية أوضاعهم، لكن هؤلاء يشكلون أقلية هامشية يرفضها معظم المسلمين". ويلفت سيميونوف إلى أن "إدارات دينية في أقاليم محددة تتبنى مواقف أكثر حذراً يفسّرها البعض بأنها أقرب إلى دعم إسرائيل، وتولد نظريات مؤامرة بوجود خطط لتهجير اليهود والإسرائيليين إليها، ما يؤدي إلى حوادث مماثلة لما شهدته داغستان".
ويحذر من مخاطر حصول اعتداءات على مغتربين من أبناء الجالية المسلمة والمواقع الإسلامية في مدن روسية أخرى، بينها العاصمة موسكو، رداً على استهداف يهود في داغستان.
واقتحم محتجون مطار محج قلعة أخيراً للتعبير عن رفضهم هبوط رحلة قادمة من تل أبيب. وأعقب ذلك رفع لجنة التحقيق قضية جنائية بموجب المادة 212 من القانون الجنائي الروسي الخاصة بأعمال الشغب.
وقبل ذلك أشعل مجهولون إطارات مطاطية أمام مبنى مركز ثقافي يهودي في مدينة نالتشيك، عاصمة جمهورية قبردينو - بلقاريا التي تقع شمالي القوقاز، حيث كتبوا شعاراً معادياً للسامية على أحد الجدران. وفي مدينة خاسافيورت الداغستانية، توجه أشخاص إلى فندق "فلامينغو"، للمطالبة بطرد إسرائيليين يقيمون فيه، ووضعوا عند مدخل الفندق لافتة كتب عليها "ممنوع دخول اليهود".
وإثر هذه الأحداث، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعاً ناقش، بحسب الناطق الرسمي باسم الرئاسة ديميتري بيسكوف، الوضع في داغستان، واتخذ إجراءات لـ"التصدي للتدخلات والتلاعبات الإعلامية الخارجية التي تهدف إلى إثارة الوضع في روسيا من خلال استغلال الأحداث في الشرق الأوسط". ويُعتبر الإسلام الديانة الثانية الأكثر انتشاراً في روسيا بعد المسيحية الأرثوذكسية، ويقدّر عدد المسلمين المقيمين فيها بنحو 20 مليوناً، بينهم بضعة ملايين من المهاجرين القادمين من الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، وفي مقدمها طاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان.