الجوع يفتك بإقليم تيغراي الإثيوبي بعد تعليق مساعدات غذائية دولية

23 يونيو 2023
في طوابير ينتظرون دورهم للحصول على حصص من الغذاء في تيغراي (Getty)
+ الخط -

توسّلت امرأة أربعينية للحصول على قليل من المياه لتروي ظمأها، وهي ممدّدة على سرير مستشفى في إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا. لكنّ الوهن الذي سبّبه الجوع لم يتِح لعضلاتها أن تساعدها على الشرب، وقد أسلمت الروح بعد أربعة أيام من ذلك.

تختصر قصة هذه المرأة، أمّ لخمسة أطفال في الخامسة والأربعين من العمر، معاناة أهل تيغراي مع الجوع منذ بدء النزاع في الإقليم. ومن المرجّح أن تتفاقم هذه المعاناة بعد قرار واشنطن وبرنامج الأغذية العالمي تعليق جزء من المساعدات الغذائية، على خلفية تحويل مسارها وعدم وصولها إلى مستحقّيها.

ومع منع الصحافيين من التوجّه إلى تيغراي، من غير الممكن التحقّق بطريقة مستقلة من ظروف وفاة هذه المرأة التي نقلها ابن شقيقها لوكالة فرانس برس. وقال دستا هايلو (اسم مستعار) إنّ أولاد عمّته، الذين لا يتجاوز عمر أصغرهم خمسة أعوام، باتوا أيتاماً يعتمدون على ما قد يوفّره لهم الأقارب الذين يعانون بدورهم لتأمين قوت يومهم.

وأقرّ هايلو، وهو أستاذ جامعي في بلدة آديغرات الحدودية مع إريتريا، بأنّ وجبة الطعام الأخيرة التي تناولها كانت قبل 48 ساعة، واقتصرت على الخبز والشاي. أضاف أنّه يمتنع وزوجته، في الغالب، عن تناول وجبات في خلال اليوم لضمان توفّر الطعام لأولادهما. لكنّ ذلك لا يكفي بحسب الرجل البالغ من العمر 40 عاماً، فابنه "يشكو دائماً من الجوع ويرغب في تناول حصّة شقيقته الصغيرة أيضاً".

الصورة
امرأة ماتت من الجوع في تيغراي في إثيوبيا (Getty)
جثة امرأة قضت جوعاً في إقليم تيغراي (Getty)

تسوّل في الشوارع

منذ أكثر من عامَين، يعاني إقليم تيغراي حيث تعيش ستة ملايين نسمة من نقص في المواد الغذائية. وفي خلال الحرب التي شهدها، اتّهم محققو الأمم المتحدة الحكومة الإثيوبية بتجويع المدنيين عمداً من خلال فرض حصار على الإقليم الواقع شمالي البلاد. وبالتالي صارت المساعدات تدخل بالقطارة إلى الإقليم، وسط تحذير المنظمات الإنسانية من ظروف أقرب الى المجاعة. لكنّ الحكومة نفت هذه الاتهامات، وحمّلت السلطات المتمرّدة في الإقليم مسؤولية الاستيلاء على المساعدات الغذائية لرفد مجهودها الحربي.

وأثار اتفاق سلام وُقّع في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 آمالاً بتحسّن الأوضاع مع توقّف القتال وعودة التيار الكهربائي وشبكة الاتصالات والمصارف إلى العمل تدريجياً. لكنّ ذلك لم ينعكس على وضع الغذاء. وأشارت نيغيستي سولومون المتطوّعة في أحد مراكز توفير الطعام المموّلة من منظمة "تيغراي أكشن كوميتي" في الولايات المتحدة الأميركية، إلى أنّ "عدد الذين يقصدون مراكز الغذاء في تزايد". وأوضحت أنّ المخزون محدود إلى درجة تدفع إلى ردّ طلبات أشخاص كثيرين، الأمر الذي يضطرهم إلى اللجوء إلى الشوارع. وهكذا صارت مشاهد المتسوّلين الباحثين عن الطعام الذي يعانون من سوء تغذية أمراً اعتيادياً.

يأس

في الثامن من يونيو/ حزيران الجاري، أعلنت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تعليق تقديم المساعدات الغذائية لإثيوبيا، مبرّرة قرارها بـ"حملة واسعة النطاق ومنسّقة" لتحويل مسار الإمدادات وعدم إيصالها إلى المحتاجين. وغداة ذلك، أصدر برنامج الأغذية العالمي قراراً مماثلاً. ولم تحدّد الجهتان من الذي يتحمّل مسؤولية ذلك، فيما رفض البرنامج التابع للأمم المتحدة طلب وكالة فرانس برس إجراء لقاء حول هذا الشأن. كذلك، بقيت استفسارات وكالة فرانس برس حول هذا الموضوع من دون أيّ ردّ، لا من قبل الوكالة الأميركية للتنمية ولا من الحكومة الإثيوبية.

وأكد هايلو وسولومون أنّهما شاهدا بأمّ العين مساعدات من قبيل بطانيات (أغطية) معروضة للبيع، وأنّ الذين يبيعونها يعلّلون ذلك بحاجتهم إلى المال لشراء الطعام والأدوية أو حتى الصابون. ورأى هايلو أنّ "الناس أُصيبوا باليأس ويريدون البقاء على قيد الحياة... يريدون أن يملأوا بطونهم".

وفي سياق متصل، أفاد أطباء بأنّ عدداً من المرضى الذين كانوا يعانون من سوء تغذية توفّوا على الرغم من أنّ حالاتهم كانت قابلة للعلاج، وقد أعادوا ذلك إلى واقع أنّ الوهن الذي أصاب أجسادهم جعل تعافيهم أمراً غير ممكن. وقال الطبيب قايم جبري سيلاسي المتخصص في الجراحة في آديغرات إنّه "في مثل هذه الظروف، من غير الممكن إجراء عملية جراحية بثقة"، مضيفاً "نقول للمرضى إنّ عليهم الأكل بشكل أفضل لكنّهم يجيبون بأنّ الطعام مفقود".

الصورة
عائلة في تيغراي في إثيوبيا وسط الجوع (Getty)
همّ الجوع وتوفير الطعام يؤرّق أهالي تيغراي (Getty)

حكم بالإعدام

وفي ظل توقّف دفع الرواتب منذ أشهر، يعاني جبري سيلاسي بدوره لتوفير قوت عائلته. ووصف قرار تعليق المساعدات بأنّه "حكم بالإعدام" على كثيرين في تيغراي، وإن كان هذا التعليق جزئياً مثلما فعل برنامج الأغذية العالمي. وأكّد أنّ "لمعاناة الأمهات من سوء التغذية انعكاساً مدمّراً على المجتمع". وتابع "نرى أطفالاً يعانون من نقص حاد في الوزن لا يستطيعون التنفّس بطريقة جيدة"، مشدّداً على أنّ "ثمّة خطراً من مضاعفات كثيرة لأنّ الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن غير قادرين على النموّ بالطريقة المناسبة".

ولم يخفِ هايلو أنّه يحمل في كلّ يوم مزيداً من القلق والضغوط معه، وذلك بخلاف ما كانت عليه الحال قبل اندلاع النزاع في عام 2020. ففي خلال الحرب، فقد قريبة لوالدته ثمّ لحقتها عمّته. والمرأتان اللتان كانتا في الأربعينيات توفيتا للسبب ذاته: سوء التغذية. وهكذا صار هذا الهاجس يؤرّق هايلو الذي يبحث بصورة متواصلة عن غذاء يضمن لأولاده يوماً إضافياً بعيداً عن شبح الموت. هو يخشى من "استمرار الوضع على حاله فأخسر أبنائي للجوع... سوف يموتون أمام عينَيّ".

(فرانس برس)

المساهمون