يُعاني أهالي المناطق الريفيّة في تونس بسبب عدم توفر المياه الصالحة للشرب، ما يجبر أهلها على الانتقال مسافات بعيدة لتوفير المياه طوال العام.
تمتاز غالبيّة محافظات شمال غرب تونس بتعدّد السدود والأودية، وتضم 37 سداً يفترض أنها تزود كامل البلاد بالمياه الصالحة للشرب. مع ذلك، يُعاني سكان غالبية تلك المناطق من نقص المياه، كما أن بيوتهم غير مزودة بشبكات مياه الشرب، ما يضطرهم إلى التنقل مسافات طويلة للبحث عن المياه في البحيرات وبعض الأودية والعيون. وما زاد أزمتهم حدة الجفاف الذي شهدته تونس خلال العامين الماضيين نتيجة النقص الكبير في نسبة المتساقطات. وعلى الرغم من كمية الأمطار التي شهدتها غالبية المحافظات في تونس أخيراً، إلا أنها لم تخفف من مشكلة عدم توفر المياه الصالحة للشرب في العديد من المناطق، وخصوصاً تلك الريفية.
وقدّر المرصد الوطني للفلاحة معدل تعبئة السدود بشمال تونس أخيراً بـ36.5 في المائة، و11.3 في المائة في الوسط، و9.2 في المائة في الوطن القبلي، وذلك من قدرة استيعاب هذه السدود. كما قدر المخزون المجمل للسدود بـ716 مليون متر مكعب من المياه، في مقابل 1136.5 مليون متر مكعب خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
ولمواجهة النقص الكبير في الموارد المائية، قرّرت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري منذ إبريل/ نيسان الماضي ترشيد استهلاك المياه عبر قطعها طوال ساعات الليل، ومنع استعمال مياه الشرب الموزعة عبر شبكة توزيع المياه في النشاطات الفلاحية والري وتنظيف الفضاءات العامّة وغسل السيارات. لكن قطع المياه ليلاً أو نهاراً لا يعني سكان العديد من المناطق الريفية، التي تعاني بسبب عدم توفر المياه الصالحة للشرب على مدار العام لعدم ربطها بشبكات توزيع المياه. وزاد الأمر حدة خلال السنوات الأربع الأخيرة بسبب نقص الأمطار وجفاف غالبية الأودية والبحيرات.
تتنقل عائشة (37 عاماً)، على حمارها كل يوم أكثر من 6 كيلومترات لجلب المياه من أحد العيون. تقطع تلك المسافة ذهاباً وإياباً أكثر من مرتين يومياً. تملأ في كل مرة 80 لتراً من المياه تستخدمها للشرب والغسيل وري بعض المزروعات أيضاً. تقول إن "غالبية سكان منطقة أولاد أحمد بالروحية في محافظة سليانة يعيشون الحال نفسه على مدار العام. يتنقلون كيلومترات عدة لجلب مياه الشرب من بعض العيون أو البحيرات في الجهة. لكن بسبب قلة الأمطار، جفت غالبية البحيرات الصغيرة قرب بعض المناطق السكنية، الأمر الذي يضطر معظمنا للتنقل إلى مناطق أخرى بحثاً عن المياه. وهذه معاناة يعيشها سكان المنطقة منذ سنوات على أمل إمدادها بشبكات توزيع المياه. ولكن على ما يبدو، فإن الجفاف سيزيد من المعاناة وخصوصاً خلال فصل الصيف".
في منطقة الكشاردية في محافظة القيروان، يحتج السكان باستمرار بسبب انعدام المياه الصالحة للشرب وجفاف غالبية البحيرات القريبة من المنطقة. ويعاني السكان من أزمة مياه على مدى العام، وخصوصاً أن محافظة القيروان تعاني سنوياً من نقص كبير في نسبة المتساقطات، فيما لا تتوفر شبكات المياه الصالحة للشرب في غالبية مناطقها الريفية والقرى القريبة، لتكثر فيها الاحتجاجات المطالبة بتوفير المياه الصالحة للشرب، بالإضافة إلى مناطق أخرى في محافظات صفاقس وقفصة ومدنين وسيدي بوزيد، التي تشهد احتجاجات مستمرة وخصوصاً خلال فترة الصيف، للمطالبة بتزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب.
ويعاني أكثر من 300 ألف مواطن من نقص المياه، بحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يعيش معظمهم في القرى والأرياف، على الرغم من أنّ محافظاتهم توفر المياه الصالحة للشرب لغالبية المدن. كما يعيش التونسيون بصفة عامة تحت خط الفقر المائي، ولا يتجاوز نصيب الفرد 400 متر مكعب سنوياً، وهي كمية أقل بكثير من 1000 متر مكعب للفرد في العام، السقف الذي توصي به منظمة الصحة العالمية.
وأكد المنتدى أنّ نقص الموارد المائية في مناطق عدة بتونس غير مرتبط بالتغيرات المناخية، والإشكال قديم ومرتبط بغياب أي سياسة مائية لتعميم شبكات توزيع المياه على جميع سكان القرى والمناطق الريفية، وعدم اعتماد استراتيجيات جديدة للحفاظ على الثروة المائية. كما أكد المنتدى أن 50 في المائة من أرياف تونس غير مزودة بشبكات توزيع المياه، فيما يختلف معدل الحصول على مياه الشرب اختلافاً كبيراً بين المناطق الحضرية والريفية.
ويقول عبد المنعم، وهو أحد سكان منطقة كاف الضرابين بمحافظة جندوبة، إنه يصطحب يومياً قطيع أغنامه إلى البحيرات للشرب. لكن غالبية المناطق التي اعتاد الذهاب إليها شهدت جفافاً حاداً طاول جميع الأودية والبحيرات، ما اضطره إلى تكبد رحلة يومية لمسافة خمسة كيلومترات لجلب المياه لقطيعه. ويقطع تلك المسافة ثلاث مرات في اليوم لجلب ما يحتاجه هو وقطيعه من مياه، وهي رحلة شاقة بسبب صعوبة التضاريس الجبلية.
يضيف عبد المنعم: "على الرغم من هطول كميات جيدة من الأمطار خلال الفترة الأخيرة، إلا أنّ الأودية وبعض البحيرات لا تزال تعاني من الجفاف الحاد بسبب نزول مياهها في السدود التي تشهد بدورها نقصاً كبيراً في مستوى مياهها. كما أن العديد من الأودية التي كنا نتزود منها بمياه الشرب جفت اليوم. ونتوقع صيفاً حاداً سنعاني فيه من نقص كبير في المياه".
وتضطر غالبية العائلات في المناطق الريفية إلى شراء خزانات المياه لتلبية حاجاتها من المياه الصالحة للشرب، وخصوصاً أنه لا يمكن التنقل يومياً للبحث عن المياه بسبب الظروف المناخية وصعوبة التضاريس الجبلية. كما أن بعض الأرياف لا توجد فيها عيون أو آبار، ويتوفر فيها فقط صنبور واحد تؤمنه الحكومة لعدد من المناطق الريفية المتقاربة لتزويد سكانها بالمياه. ولكنها غالباً ما تكون بعيدة عن العديد من التجمعات السكانية.