الجفاف في كينيا يؤدي إلى صراع على الموارد بين المزارعين والحيوانات

28 أكتوبر 2022
تعاني الأفيال بسبب الجفاف (أندريه واسيكي/ فرانس برس)
+ الخط -

تُشكّل مقاطعة تايتا ـ تافيتا الواقعة في جنوب شرق كينيا حالة خاصة، نظراً لتنوعها البيئي وجذبها السياح من مختلف أنحاء العالم، للتعرف إلى تقاليد وعادات الشعوب الأفريقية، والأهم الاستمتاع بواحد من الأماكن الرائعة لتجربة رحلات السفاري.

هذه المنطقة الجذابة باتت اليوم أسيرة الجفاف الذي يضرب مناطق عدة في القارة الأفريقية، مهدداً قطاعات زراعية مختلفة. قبل 35 عاماً، كانت عائلة فرانسيس موتوكو، أحد المزارعين في المنطقة، قد قررت الانتقال إلى تايتا ـ تافيتا لتأمين حياة مستقرة، حين كانت حينها تتمتع بطبيعة خلابة وتشهد هطولاً للأمطار. ويقول موتوكو لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية: "لم أكن أواجه أي مشكلة في تأمين الطعام"، إذ كان يحصد كمية جيدة من الذرة وحبوب الماش ويبيع الفائض.

سكن موتوكو على مقربة من محمية للحياة البرية، وحديقة تسافو الوطنية، وأنشأ مزرعة على مساحة هكتارين تقريباً. تبدّل واقعه وبات اليوم مزارعاً محبطاً بسبب الجفاف.

وتعاني كينيا من موجات جفاف كبيرة، ولم تشهد البلاد تساقطاً جيداً للأمطار منذ ثلاث سنوات. ويواجه 18 مليون شخص في القرن الأفريقي على الأقلّ جوعاً شديداً في ظلّ أسوأ فترة جفاف تضرب المنطقة منذ 40 عاماً.

وبحسب أرقام نقلتها وكالة فرانس برس يعاني نحو 950 ألف طفل دون سنّ الخامسة و134 ألف امرأة حامل أو مرضعة، في المناطق القاحلة النائية في كينيا، من سوء التغذية الحاد. وفي يونيو/ حزيران الماضي توقع البنك الدولي أن يؤدي الجفاف والأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية إلى إعاقة تعافي كينيا اقتصادياً من تداعيات جائحة فيروس كورونا.

موجات الجفاف هذه لم تساعد موتوكو على زراعة أرضه. ولم يعد يزرع ما يحتاج إلى الكثير من الماء والوقت حتى يتمكّن من تأمين الطعام. ويرى أنّ الدول الغنية كانت السبب وراء موجات الجفاف هذه كونها تسببت في تغير المناخ.

تداعيات الجفاف لم تؤثر على المزارعين فقط، بل كان لها تأثير على الحيوانات التي لم تجد مياهاً صالحة للشرب، ولا سيما الأفيال التي بدأت تجوب المنطقة بحثاً عن الطعام والمياه. وتستهلك الأفيال 200 كيلوغرام من النباتات يومياً، و200 لتر من المياه يومياً.

تبدلت عادات الحيوانات في كينيا ولم تعد تخشى الناس بشكل كبير. وتشير راشيل كينيدي التي تعيش على مقربة من موتوكو إلى زيادة حركة الأفيال في الفترة الأخيرة، إذ باتت تقترب من مساكن الناس بحثاً عن الطعام والشراب.

كينيا (طوني كارومبا/ فرانس برس)
نسبة الجفاف مرتفعة في كينيا (طوني كارومبا/ فرانس برس)

موطن للتنوّع البيولوجي

تعد منطقة تسافو موطناً لأكبر تجمعات للأفيال في كينيا، وهي تغطي نحو 4% من مساحة الأراضي في البلاد. وارتفع عدد الأفيال في كينيا من حوالي 13 ألفاً عام 2007 إلى أكثر من 14897 عام 2021، على الرغم من الضغوط الناجمة عن الصيد الجائر، والصراعات، والجفاف. وقال وزير السياحة المنتهية ولايته نجيب بلالا، لهيئة البث البريطانية "بي بي سي"، في وقت سابق من هذا العام، إنّ أزمة المناخ تقتل "الأفيال أكثر من الصيد الجائر بعشرين مرة".

وبحسب بلالا، فإنّ كينيا فقدت 179 فيلاً؛ بسبب الجفاف بين يناير/ كانون الثاني ويونيو/ حزيران من هذا العام؛ لأنّ البلاد "نسيت الاستثمار في إدارة التنوع البيولوجي". ويضطر السكان المحليون إلى استخدام وسائل مختلفة لإبعاد الأفيال.  

وسائل مختلفة

يقول مدير محمية لومو للحياة البرية جوزيف موانيالو، التي تبلغ مساحتها 48000 فدان (19000 هكتار)، إنه مع عام إضافي من الجفاف ستزداد مثل هذه النزاعات بين الحيوانات والمزارعين. ومنذ عام 2018، بدأت المحمية التي تسمح برعي الماشية في جمع التبن وبيعه للرعاة بسعر مدعوم، ونجحت هذه الخطة في تخفيف حدة النزاعات بين الإنسان والحياة البرية، وقد امتنع الرعاة عن الرعي في المناطق المخصصة للسياحة. إلا أنه مع انخفاض تساقط الأمطار، لم يعد هناك من تبن لجمعه في الآونة الأخيرة، وهو الوضع الذي سيشهد منافسة شديدة بين البشر والماشية والحيوانات البرية على الموارد الشحيحة داخل منطقة الحماية.

وهناك وسيلة أخرى لإبعاد الأفيال عن المزارع تتمثل بوضع سياج بيولوجي على غرار زراعة بذور عباد الشمس التي تبعد الأفيال، كما تساعد القرويين. كما يمكن تأسيس سياج من خلايا النحل متصلة بأسلاك، إذ تساعد هذه الطريقة في إبعاد الحيوانات عن المزارع، ولهذا فوائد اقتصادية مهمة وبيولوجية.

يعلّق سكان تسافو مثل موتوكو وغيره آمالهم على تعهدات جديدة، في قمة الأمم المتحدة للمناخ Cop27، التي ستستضيفها مدينة شرم الشيخ المصرية بداية من 6 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، حتى الـ 18 من الشهر نفسه. ولكن مع فشل البلدان المتقدمة في الوفاء بوعودها لمساعدة أولئك الأكثر تضرراً من أزمة المناخ، فمن غير المؤكد أن يتم حل هذه المشكلة قريباً.

المساهمون