بعدما نفقت رؤوس الماشية التي كانت ترعاها، أدركت يُعرُب عبدي جاما أنّ قدرتها على العيش من الرعي انتهت، فنزحت مثل كثيرين غيرها.
ويُعرُب البالغة من العمر 35 عاماً نشأت في عائلة اعتادت على رعي المواشي في أرض قاحلة ومعرّضة إلى الجفاف في ما يُعرَف بجمهورية أرض الصومال (أو صوماليلاند)، المعلنة من جانب واحد وغير المعترف بها دولياً، والمعزولة في شمال غرب الصومال. لكنّ الرعاة لم يتمكّنوا من الصمود في وجه موجات الجفاف في عامَي 2018 و2019، التي أحرقت الأرض وأهلكت الحيوانات، فكان النزوح وكان النازحون كثيرين.
تقول يُعرُب، التي تسكن حالياً في كوخ بالقرب من هرجيسا (عاصمة أرض الصومال) على بعد مئات الأميال من منزلها الأصلي: "في الماضي، كان الله يترك لنا دائماً شيئاً. أمّا اليوم... فاضطررنا إلى التشرّد. أنت تذهب إلى المكان الذي تستطيع الهروب إليه عندما تخسر كلّ شيء".
وكما هي حال عشرات آلاف من الأشخاص في الصومال، تُعَدّ يُعرُب "نازحة مناخية" في البلد الأفريقي الذي يشهد تغيّرات في المناخ تدفع بجموع من الرعاة والمزارعين نحو مُدن غير مجهّزة لاستقبالهم. وقد تسبّبت الكوارث الطبيعية بشكل أساسي في كثرة النزوح في الصومال المصنّف بين البلدان الأكثر عرضة لعواقب الاحتباس الحراري.
وأدّت موجات الجفاف الحاد والمتكرّر والأمطار الغزيرة إلى نزوح أكثر من ثلاثة ملايين صومالي منذ عام 2016، بحسب أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتؤدي هذه الظاهرة إلى إفراغ مناطق كاملة في الداخل الصومالي وتزايد المخيّمات الممتدة خارج المدن.
وقد لجأت يُعرُب عند وصولها بيدَين خاليتَين مع نازحين آخرين إلى مخيّم مؤقت خارج هرجيسا، وتمكّنت من بناء كوخ لها ولزوجها ولأطفالهما الثمانية، إلا أنّ الفقر والبطالة في المدينة أقوى من قدرة هذه العائلة على توفير دخل يعيلها. لذا، عند الفجر، يغادر زوجها الكوخ بحثاً عن عمل، لكنّه يعود فارغ اليدَين في معظم الأوقات. من جهتها، كانت أُبى آدن جُما، البالغة من العمر 40 عاماً، قد نزحت قبل ثلاثة أعوام، بعد نفوق ماشيتها، بهدف توفير لقمة العيش لعائلتها. وتقول: "لا أجني شيئاً تقريباً في المدينة".
وكان لدى المجتمعات الرعوية تقليد يقضي بإطلاق تسميات على فترات الجفاف الطويلة التي تفصل بينها عشرة أعوام تقريباً. وقالت الوزير الإقليمي للبيئة في صوماليلاند شكري الحاج إسماعيل لوكالة "فرانس برس" إنّ "موجات الجفاف صارت شائعة جداً لدرجة أنّنا لم نعد نسمّيها". أضاف أنّ "صوماليلاند تشهد - بشكل ملموس - على تغيّر المناخ"، مشيرأ إلى أنّ "الأمر لا يتعلق بشيء قد يحدث، لا بل هو هنا وهناك ونحن نعيشه (...) وشعبنا عانى كثيراً".
وعرف الصومال موسمَين متتاليَين من شحّ المطر، ومن المتوّقع أن يكون الموسم المقبل مشابهاً. أمّا إذا أمطرت، فغزارة الأمطار تؤدّي إلى تشكّل سيول جارفة. وكانت البلاد قد شهدت في عام 2020 أسوأ إعصار تمّ تسجيله، وكان موسم الحصاد ضعيفاً، وتوقّعت شبكة نظم الإنذار المبكر بالمجاعات، في أغسطس/ آب الماضي، أن يتفاقم الجوع بحلول نهاية العام في ظلّ حاجة ماسة لدى 3.5 ملايين شخص إلى مساعدات غذائية. ومن المتوقّع أن تصير الأمطار غير منتظمة وأكثر شدّة في الصومال في الأعوام المقبلة، الأمر الذي يؤدّي إلى تسريع النزوح الريفي وخلق مزيد من النزاعات على الموارد القليلة، بحسب مسؤولة برنامج الهجرة والبيئة وتغيّر المناخ في المنظمة الدولية للهجرة لانا غورال، التي تصف المشهد بأنّه "قاتم". فالقدرة على العمل في البلد الذي يعاني من نقص في الموارد محدودة جداً.
ويذكر شكري الحاج إسماعيل أنّ مشرّعين (في أرض الصومال) اقترحوا نقل بعض المجتمعات إلى الساحل، إلا أنّ "تغيير العقليات يستغرق وقتاً". من جهتها، تكرّر يُعرُب: "دفعنا الجفاف إلى المغادرة. لم نكن لنترك الحياة التي كنّا نحبّها" لولا الجفاف. لكنّ حتى العودة إلى الوراء ليست خياراً. ففي زيارة حديثة لقريتها، لم تجد يُعرُب أحداً هناك، واختفت الحياة من المكان. حتّى وإن امتلأت الآبار، فإنّ أحدًا لم يبقَ في القرية ليشرب المياه.
(فرانس برس)