باشرت أجهزة إنفاذ القانون في الجزائر، في فبراير/ شباط الجاري، حملات لهدم المباني التي أقيمت على أراضي الدولة وقرب الساحل، واسترجاع عقارات لاستغلالها في مشاريع ومنشآت خدمية، بحسب تدابير تسمح بتجنّب هدم المباني المأهولة بالسكان كي لا تصبح العائلات في الشارع خلال فصل الشتاء، وعدم التأثير على الموسم الدراسي للتلاميذ.
في بلدة توجة بولاية بجاية (شرق)، هدمت السلطات 48 مبنى شُيّدت بطريقة غير شرعية على ساحل شاطئ تيغرمت، حيث تمنع القوانين بناء منشآت على مسافة 100 متر من البحر. وأكد حاكم ولاية بجاية في مؤتمر صحافي، أن "العملية بدأت بهدم 48 مبنى غير شرعي، وستشمل كل المباني غير الشرعية في الساحل حتى القضاء نهائياً على المباني المشيّدة على أراضي الدولة، والتي بُنيت من دون الحصول على رخص ولا يمكن تسوية أوضاعها، وأيضاً تلك التي شيّدت في منطقة التوسع السياحي، والتي خصصتها السلطات لتنفيذ مشاريع في المنطقة توفر فرص عمل للشبان. الهدف الأول من استرجاع الأراضي هو تنفيذ مشاريع إنمائية تخدم المصلحة العامة".
وفي مدينة طولقة بولاية بسكرة (جنوب)، باشرت السلطات هدم المباني المشيّدة من دون الحصول على رخص على أراضٍ تملكها الدولة، وهو ما فعلته سلطات منطقة مستغانم السياحية عبر هدم المباني الفوضوية الموجودة في منطقة الميناء الصغير من أجل القضاء على ظاهرة المباني الفوضوية التي تشوّه الطابع الجمالي للنسيج العمراني.
وقبل أسبوعين، وجدت قضية هدم المباني غير القانونية طريقها إلى البرلمان، الذي أخضع وزير الداخلية إبراهيم مراد لمساءلة في شأن تفضيل السلطات تنفيذ قرارات هدم المباني على حساب إمكانية تسوية أوضاعها وإلزام أصحابها دفع غرامات لصالح خزينة الدولة.
وأكد إبراهيم أن هدم المباني غير القانونية يحصل بعد دراسة اللجان الأمنية في الولايات الملفات تمهيداً لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية والتدابير اللازمة، تنفيذاً لتعليمات الرئيس عبد المجيد تبون الذي أصدر، في فبراير 2023، تعليمات بتنفيذ عمليات هدم المباني غير القانونية المأهولة بحسب خطط يعدّها حكام الولايات، وتُرفع إلى المصالح المركزية لوزارة الداخلية من أجل البت فيها نهائياً بعد استنفاذ كل وسائل التوصل إلى تسويات إدارية وقانونية.
وحتى الآن، لم تشمل القرارات هدم مساكن ومبانٍ مأهولة، ويقول الناشط المدني محمد حاج قويدر لـ"العربي الجديد"، إن "السلطات الجزائرية تتجنب هدم المباني المأهولة بالسكان خلال فصل الشتاء، بعدما منع الرئيس تبون إخراج العائلات من مساكنها، مهما كان الظرف أو المبرر، حتى لو تعلّق الأمر بتطبيق قرارات إخلاء أصدرها القضاء، لتجنب وضع العائلات في ظروف صعبة، إلا في حال ارتبط الهدم بترحيل السكان إلى شقق سكنية جديدة".
يضيف قويدر: "تركز السلطات في الوقت الحالي على المباني غير المأهولة وتلك قيد الإنشاء، من دون أن يمنع ذلك أصحابها من إظهار ردود فعل احتجاجية، ففي مدينة طولقة، حاول أشخاص أغضبهم تنفيذ قرارات هدم منازلهم إغلاق طرقات، لكن السلطات أقنعتهم بطريقة ودية بضرورة الامتثال للقانون، ثم تدخلت مصالح الأمن لفتح الطرق وفرض القانون".
ويسبق تنفيذ الهدم إرسال إشعارات قانونية إلى أصحاب المباني تطالبهم بالامتثال للقانون طوعاً، علماً أن القانون الخاص بالتهيئة والتعمير في الجزائر يمنع تشييد أي مبنى من دون الحصول على رخصة، كما يفرض إيقاف السلطات إنجاز أي مبنى سكني أو تجاري فوق الأملاك الوطنية أو الخاصة من دون الحصول على رخصة، لكن هذه التدابير لم تكف سابقاً لردع تفاقم الاعتداءات على أراضي الدولة، ما دفع الحكومة إلى إصدار قانون خاص في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ويفرض القانون الجديد عقوبات أكثر تشدداً تصل إلى السجن لمدة عشر سنوات، ودفع غرامات مالية، في حق كل من يستحوذ من دون وجه حق على أرضٍ تملكها الدولة، ويستغلها في تنفيذ أغراض شخصية أو لفائدة آخرين، وأيضاً عقوبة السجن حتى 15 سنة لكل من يتصرف في أرض تملكها الدولة بعد الاستحواذ عليها من دون وجه حق. ويلزم القانون الجديد الموظفين ومسؤولي الهيئات المعنية بشبكات الكهرباء والماء والصرف الصحي وغيرها عدم تجهيز شبكات للمباني المشيّدة بطريقة غير شرعية تحت تهديد معاقبتهم بالسجن، كما تحمّل بنوده موظفي الدولة ومسؤولي القطاعات المعنية مسؤولية أي تقاعس أو تساهل في التعامل مع التعديات على أراضي الدولة.
وترى السلطات الجزائرية أنّ إنشاء المباني الفوضوية يندرج في إطار المسائل التي تمسّ بهيبة الدولة، وتستوجب تحقيقات تجريها لجنة تخضع لوصاية وزيرَي السكن والداخلية، والمكلفة درس ملفات المباني الفوضوية.