سجلت الجزائر ارتفاعاً لافتاً في معدلات الطلاق خلال السنوات الأخيرة، وصولاً إلى عشر حالات كل ساعة، تحت ضغوط المشكلات الاجتماعية والثقافية التي قادت إلى تفكك الرباط الأسري، وأيضاً بتأثير رفع سقف التطلعات مباشرة بعد الزواج.
وكشفت إحصاءات رسمية نشرتها وزارة العدل الجزائرية حصول 44 ألف حالة طلاق وخلع في النصف الأول من العام الحالي، أي 240 حالة يومياً و10 حالات في الساعة. وحتم ذلك دقّ متخصصين ناقوس الخطر من تهديد تماسك المجتمع وزعزعة بيوت الأسر، فيما يعزو البعض الظاهرة إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، فيما يرى آخرون أنها مرتبطة بفكرة الزواج في حدّ ذاتها. وأشارت الإحصاءات أيضاً إلى أن عدد حالات الطلاق في الجزائر ترتفع بشكل كبير، وبلغت 100 ألف في عامي 2020 و2021، وهو رقم مخيف جداً، علماً أنها وصلت إلى 68 ألفاً عام 2019.
وتتباين أسباب الظاهرة، في حين تظهر معطيات حصول تغيّرات خطيرة في منظومة العائلة الجزائرية في الأعوام الأخيرة، ووقوف عوامل حجر عثرة في بناء أسر جديدة، وضمان استمرارها، ما يدفع الزوجين الى الطلاق إذا وصلا إلى حدّ استحالة العيش تحت سقف واحد. لكن المشاكل الاجتماعية، مثل السكن والعمل وغياب التفاهم، تلعب الدور الأهم في قرار الانفصال، إلى جانب تدخل العائلات التي تطلب من الأبناء أو البنات تقديم إجراءات الطلاق، والتي تسبقها فترة انفصال شكلي قبل التوجه إلى القضاء للفصل نهائياً في الطلاق.
ومن البديهي أن تلعب العوامل الاقتصادية والضغوط المادية الصعبة وتراكم الأوضاع الاجتماعية الخانقة دوراً في تزايد حالات الطلاق، علماً أن السنوات الأخيرة شهدت تدهور المستويات المعيشية، نتيجة غلاء الأسعار وانحسار فرص العمل. لكن اللافت ارتفاع معدلات الطلاق في الزيجات الجديدة للشبان والشابات بين سني 28 و35. كما يأتي عدم تحمّل الزوجين المسؤوليات الأسرية الجديدة في مقدمة أسباب الطلاق، بحسب ما يزعم البعض أمام قاضي الأحوال الشخصية، وأيضاً انعدام الوعي والتواصل والحوار بين الزوجين، واكتشافهما أن عالم العلاقات الأسرية الجديد بعيد عن العالم الخيالي الوردي الذي سبق العرس ومراسم الزّواج.
تقول المحامية إيمان فنغور لـ"العربي الجديد": "زادت قضايا الطلاق أمام مختلف المحاكم الجزائرية خلال الفترة الأخيرة، والملاحظة الأهم تشمل تصاعد حالات الطلاق بين الأزواج الجدد".
وتؤثر طبيعة العلاقة بين الزوجين والأهل في المشاكل بين الأزواج التي قد تؤدي إلى الطلاق، وتقترن بالجو العائلي، خاصة إذا عاش الزوجان في منزل العائلة الكبيرة، بالتزامن مع تراكم المشكلات المعيشة التي تنسف الاستقرار من خلال توسيع دائرة المشاحنات والخلافات بين الأهل والزوجين.
ويعني ذلك انغماس الزوجين في محيط مليء بالتوتّرات التي يتأثران بها، ويصعب أن يتخلّصا منها في ظل تزايد احتمال مصادرة قراراتهما التي تصبح في يد المجموعة التي تملك منزل سكنهما.
وتقول إيمان (36 عاماً)، لـ"العربي الجديد": "اضطررت إلى طلب الطلاق بعد زواج استمرّ سنتين بسبب تدخلات العائلة في كلّ كبيرة وصغيرة في حياتي. كما واجهت حقيقة أن زوجي عانى من البطالة خصوصاً في فترة تفشّي وباء كورونا، ثم أصبح عنيفاً ولم يتردد في ضربي وإهانتي لأسباب تافهة. وقد دفعني ذلك إلى العودة لبيت أهلي لمساعدتي في الإنفاق على ابني الحديث الولادة. وأنا أعترف بأنني ارتكبت غلطة كبيرة لأنني تزوّجت لمجرد الهروب من كلمة عانس".
وتؤكد الباحثة في علم الاجتماع الأسري بجامعة الشلف، غربي الجزائر، فريدة بورنان، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "رباط الزواج محكوم بمقدار الاتصال المتبادل والتفاعل بين الطرفين، وبينهما وبين أعضاء الأسرة وأفراد العائلتين، وهو لن يعمّر طويلاً إذا كانت الخلافات كثيرة".
تتابع: "يردد المجتمع الجزائري مقولة إنّ المشاكل بين الزوجين تحصل بين عائلتين متنافرتين يحاول أطرافهما التدخل في العلاقات بين الزوجين وتفاصيل حياتهما اليومية، وحتى قراراتهما. والحقيقة أن الأزواج نجحوا في حالات قليلة فقط في الإفلات من هذه الحقيقة، فعشرات من حالات الطلاق كان سببها الرئيسي إما أم الزوج أو إخوته أو أمّ الزوجة وإخوتها، وربما أفراد آخرون تجمعهم بالزوجين روابط الدم من الأعمام والأخوال، ما يعني أن قرار الانفصال النهائي بين فردين أو كيانين له خلفيات متعددة أخرى، وقد يتخذ بالتالي من خارج جدران البيت الواحد والغرفة الواحدة".
في المقابل، تستدعي حالات طلاق تفصل فيها المحاكم الانتباه أيضاً بسبب ارتباطها بأسباب ثقافية قد تشمل إساءة استخدام أحد الزوجين مواقع التواصل الاجتماعي والخيانة الزوجية والافتراضية، اضافة إلى وجود حالات طلاق تتعلق بزيجات قديمة عمّرت أكثر من عقدين، لكنها لم تصمد بسبب الصراع الدائم بين الزوجين، وتقلص الحميمية، وفقدان المودة بينهما.
ومع ارتفاع معدلات الطلاق في الجزائر، تكثر المطالبة بضرورة تعزيز الوازع الديني، وتفعيل دور المساجد والمؤسسات الدينية في تأهيل الشباب للحرص على الرباط الزوجي، وكذلك بلعب الوالدين والأسر أدواراً إيجابية في تأهيل الأبناء للزواج.
وتدعو الخبيرة النفسية سعدية آين حمو إلى ضرورة تكوين استشاريين في الصحة الأسرية والزواجية، وعرض الأزواج بعد الخطبة على متخصصين، وإخضاعهم لدورات حول تشكيل الأسرة، فعشرات من الشبان المقبلين على الزواج يعتقدون بأن الزواج احتفال ولباس وسفر وسط تطور الظروف المعيشية وارتفاع معدلات الاستهلاك. وهكذا تتحطم العلاقات الجديدة وتصل إلى أروقة المحاكم عندما تثقل حياة الزوجين بالتزامات وخلافات قد تصل إلى التّعنيف".