الجزائر: طقوس احتفالية بالنجاح المدرسي

29 يونيو 2023
فرحة بالنجاح (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل عقود، كان الاحتفاء بالنجاح المدرسي ينحصر بشهادة البكالوريا التي كانت تعني تتويجاً لمسار تعليمي كامل، والانتقال إلى الجامعة. لكن خلال السنوات الأخيرة، صارت الاحتفالات تشمل النجاح في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة.

كان أكبر حلم للتلميذ الناجح الحصول على دراجة هوائية أو مبلغ من المال أو الخروج في رحلة. لكن تغير الحال اليوم. ويتجمع عدد من التلاميذ وأشقائهم وأقربائهم لإشعال الألعاب النارية، وترديد الأهازيج والغناء، وتحضير ولائم وحفلات في البيوت، يُدعى إليها المقربون وزملاء التلميذ الناجح، وتوزع الحلويات والمشروبات. 
وينشر العديد من الناس صور الاحتفالات على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يدفع آخرين إلى حذو حذوهم، وإنفاق الكثير من المال. ويرى خبراء في علم الاجتماع أن توجه العائلات للاحتفال بنجاح أبنائها في شهادتي التعليم الابتدائي أو المتوسط يعكس رغبة الجزائريين في الاستفادة من كل حالات ولحظات الفرح، بالإضافة إلى التأثر بعادات دول الخليج والغرب.

وتقول الأستاذة الجامعية وهيبة مناري لـ "العربي الجديد" إن المظاهر الاحتفالية الجديدة بنجاح التلاميذ تنم عن حاجة ملحة للجزائريين لاقتناص أية فرصة للفرح والاحتفاء باللحظات السعيدة، مشيرة إلى أنه قد يكون لمثل هذه الاحتفالات نتائج إيجابية، من خلال تحفيز الأطفال، وتكريس أهمية النجاح. وتضيف أن "كثيرين يرون في نجاح الأبناء فرحة كبيرة وتكريماً لهم، بعد التضحيات التي قدموها خلال العام الدراسي". 
طقوس الاحتفالات هذه تشمل الملابس التي يرتديها التلاميذ. وتستغل بعض المحال التجارية هذه المناسبات لتأجير الملابس. كما تنشط محال الخياطة لتجهيز ملابس وأرواب التخرج بمقاسات وألوان مختلفة. ويرتدي التلاميذ هذه الأرواب خلال الاحتفال بالتخرج في المدارس، وتصر بعض العائلات على تنظيم احتفالات في البيوت، ودعوة الأهل والأقارب للمشاركة، وإطلاق الأهازيج في الشوارع، على غرار ما يحدث خلال مباريات كرة القدم، وخصوصاً في البطولات التي تشهد فوزاً للمنتخب الجزائري. 
وتبرز حالة من التباهي بين العائلات خلال الاحتفالات، لتتحول إلى منافسة. وتقول أستاذة علم النفس صورية مقران لـ "العربي الجديد" إن "هذه الاحتفالات والمبالغة فيها ترسخ معتقدات في أذهان التلاميذ بأن النجاح يعني التفوق على الآخرين، من خلال الاحتفالات لا أكثر".

وترى أن "الجانب المظلم من هذه الاحتفالات هو شعور العائلات التي لا تستطيع أن تقيم لأبنائها الولائم، بسبب الفقر والحاجة، بالدونية، الأمر الذي قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية لدى هؤلاء الأطفال، أو شعورهم بأنهم غير جديرين بالتقدير والاحتفال، أو أنهم أقل شأناً من زملائهم، ما يرسّخ لديهم شعوراً بالدونية، علماً أن أعمار الأطفال الحاصلين على الشهادة الابتدائية لا تتجاوز 11 عاماً".
في المقابل، يرى المنتقدون أن هناك مبالغة في الاحتفال، ويصفونها بـ "المشاهد الدخيلة على المجتمع الجزائري" التي تسيء للتعليم أكثر مما تفيده، وخصوصاً أن هذه الاحتفالات لا تأخذ في الاعتبار المستوى التعليمي والمعرفي للتلاميذ ونسب النجاح.

ويقول الأستاذ في ثانوية عبد الحفيظ بو الصوف بولاية ميلة، كريم مولاي، لـ "العربي الجديد"، إن "الاحتفال بالنجاح في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة يعد جزءاً من التحولات التي تشهدها البلاد، والتي لا تضيف شيئاً إلى المجتمع. الاحتفال بشهادة البكالوريا كان يرتبط بقيمتها خلال العقود الماضية، لأنها تحدد مصير الناجحين والانتقال إلى الحياة المهنية. أما الانتقال من مرحلة دراسية إلى أخرى فلا يتطلب تنظيم أعراس".

وبلغت نسبة النجاح في امتحان شهادة التعليم المتوسط لدورة يونيو/ حزيران في الجزائر 60.97 في المائة على المستوى الوطني. ونجح أكثر من 476 ألف تلميذ في الامتحان وانتقلوا إلى الصف الثانوي، من مجموع 788 ألف تلميذ تقدموا للامتحانات، وأضيف لهم 37 ألف تلميذ سُمح لهم بالانتقال إلى الصف الثانوي، ما يرفع نسبتهم إلى أكثر من 65 في المائة.

المساهمون