قبل ثلاث سنوات، طلقت سليمة (35 عاماً) وهي أم لولدين، بعد خلافات كبيرة مع زوجها وصلت إلى طريق مسدود. تقول لـ"العربي الجديد": " لم يصارحني زوجي في البداية بإدمانه الكحول، واكتشفت ذلك بعد أشهر فقط من زواجنا. كان يعود إلى المنزل متأخراً مساءً، في حالة متردية، بسبب شربه المفرط للكحول. كذلك، كان عنيفاً. وكلّ ذلك كان يخلق مشاكل بيننا تصل إلى حدّ العراك وإن في ساعة متأخرة من الليل، وهو ما جعلني في حالة نفسية صعبة، بل إنّ ابني الأكبر بدأ في تلقي علاج نفسي. المعاناة تواصلت لأكثر من خمس سنوات، فقد حاولت منح نفسي الشجاعة للمقاومة والصبر لأجل طفليّ ، ثم اخترت الانفصال نظراً لانعدام ظروف العيش الصحية واستحالة استكمال العلاقة الزوجية على هذه الحال". تتكفل سليمة بنفقات ابنيها بفضل حملها دبلوماً جامعياً أهّلها للحصول على عمل ثابت.
من جهته، قرر ناصر (35 عاماً)، وهو أب لطفل واحد، تطليق زوجته، بعدما رفضت البقاء في البيت العائلي. يقول لـ"العربي الجديد": "لم أكن أملك سكناً مستقلاً، وكانت لي غرفة وحيدة داخل المنزل العائلي، فقررت الزواج فيها على أمل الحصول على سكن مستقبلاً، لكن بعد فترة قصيرة من الزواج بدأت المشاكل بين زوجتي وأسرتي، فقد رفضت البقاء في البيت واشترطت عليّ توفير سكن مستقل، وكان عليّ أن أختار فاخترت عائلتي".
الحالتان أعلاه من بين عشرات آلاف حالات الطلاق التي تتعدد أسبابها، وتتعدد معها القصص لظاهرة فرضت نفسها في السنوات الأخيرة في الجزائر، حتى باتت المحاكم تسجل أكثر من 70 ألف طلاق سنوياً بحسب دراسة حديثة لرئيسة "الجمعية الجزائرية لحقوق المرأة المطلقة" (غير حكومية) خلفية فتيحة، التي تكشف أنّ الفترة ما بين 2014 و2018، شهدت ارتفاعاً في أرقام الطلاق من 58 ألف طلاق سنوياً إلى 68 ألفاً، أي بزيادة 10 آلاف حالة.
وبحسب القانون المعمول به في تسيير مراحل الطلاق في المحاكم الجزائرية، فإنّ أول مرحلة تبدأ بجلسات الصلح التي تعقد بين الطرفين عند قاضي شؤون الأسرة قبل أن تتجه القضية للفصل النهائي، لكنّ كثيراً من الجلسات التي تعقد تبوء بالفشل، في إصلاح ذات البين، وتجنب الطلاق.
يقود الحديث عن ظاهرة الطلاق حتماً إلى الحديث عن بعض المتغيرات التي شهدها المجتمع الجزائري، ومن بينها "خروج المرأة إلى العمل وتموقعها في قلب النشاط الاقتصادي، والتأثير الكبير لوسائل الإعلام الحديثة، والغزو الثقافي الذي أتاح مراجعة مجتمعية للعلاقة بين الرجل والمرأة، إذ لم تعد كثيرات من الزوجات يتقبلن سلطة الرجل، ما أدى إلى وقوع صدام بين العادات والتقاليد الأسرية التي يعرف بها المجتمع الجزائري من جهة والأفكار المستحدثة والنمط الاجتماعي الجديد من جهة أخرى، ما يخلق حالة صدام أسري" بحسب الباحث المتخصص في علم الاجتماع، بجامعة "المدية" بالقرب من العاصمة الجزائرية، عيط حسان. يتابع لـ"العربي الجديد" أنّ تفاقم ظاهرة الطلاق يتعلق أيضاً بالأزمة الاقتصادية التي ضربت العائلة الجزائرية في السنوات الأخيرة، وعدم قدرة أحد الطرفين على تحمل المرحلة الصعبة التي تمرّ بها الأسرة، لتأتي أزمة السكن أيضاً كعامل آخر في هذه الظاهرة.
يشير إلى أنّ "الزواج يتحول في كثير من الأحيان إلى علاقة مصلحة أكثر منه علاقة قدسية تربط بين الرجل والمرأة تهدف إلى تكوين أسرة وتحافظ على النسل البشري". يتابع عيط أنّ من الأسباب الأخرى "اضطراب العلاقات الزوجية والأسرية، ومنها سوء التوافق الزوجي المتمثل أساساً في سوء الاختيار والتباين بين الزوجين في أمور عدة كالفارق الكبير في السنّ والمستوى المعيشي والأصل الجغرافي، كما الاختلاف الكبير في بعض العادات والتقاليد للمنطقة التي ينحدر منها الزوجان، ناهيك عن الفارق في المستوى التعليمي. ومن بين الأسباب مشاكل جديدة ذات صلة بمواقع التواصل الاجتماعي".
من جهته، يقول عميد أئمة مساجد محافظة تيبازة غرب الجزائر العاصمة، عبد القادر كبيري، إنّ ظاهرة الطلاق ازدادت بسبب "تردي الأخلاق في الأسرة الجزائرية والمجتمع بصفة عامة، كسوء أخلاق الزوج وظلمه لامرأته وعدم إنصافه لها، وسوء الحال بين المرأة وأهل زوجها أو بين الرجل وأهل زوجته، وانعدام الحكمة في التعامل".
وليست خافية النتائج الكارثية لظاهرة الطلاق، فبالإضافة إلى التفكك الأسري، يتحول عشرات الأطفال إلى مشردين محرومين من الحنان الأسري ما يجعلهم لقمة سائغة لشبكات الجريمة. ويلحّ بعض الناشطين في المجتمع المدني، من جانبهم، على ضرورة فتح نقاش وطني حول الظاهرة لفهم أسبابها بعمق، والبحث عن الحلول الكفيلة بدرء هذا الخطر الذي يهدد المجتمع الجزائري، وتوجيه وسائل الإعلام لتسليط الضوء عليها للتنبيه إلى خطورتها ونتائجها الكارثية.