ما زال الآلاف من خريجي الدكتوراه في مختلف الاختصاصات بالجزائر، بلا عمل، منذ سنوات، إذ لم تنجح جميع السياسات المتبعة في خلق فرص عمل لهذه الفئة التي تُحرم البلاد من مهاراتها وخبراتها
حصل رشيد، على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع، من جامعة "بلقاسم سعد الله" في الجزائر، عام 2016، لكن على الرغم من درجته العلمية العليا، لم يجد فرصة عمل حتى اليوم. مرت أربع سنوات من البطالة على الرغم من مشاركته في مسابقات التوظيف في مرات عدة. ولاعتبارات كثيرة، لم يسعفه الحظ في الحصول على وظيفة للتدريس في الجامعة، وتحقيق حلمه وحلم والده. يقول رشيد لـ"العربي الجديد" إنّ والده الفلاح البسيط كان يرى فيه أستاذاً جامعياً أو مسؤولاً في إحدى الإدارات على الأقل: "كان يكافح من أجل أن يضمن لي مصاريف التنقل لاستكمال دراستي العليا وإجرء البحوث العلمية اللازمة، لكنّ الموت خطفه قبل أن يطمئن على مستقبلي، وأنا ما زلت حتى الآن أراجع الجامعات والإدارات من دون جدوى، فالبطالة لازمتني". يضيف: "تمكنت من تدريس بعض الحصص في مؤسسات جامعية من أجل كسب الخبرة البيداغوجية (التعليمية) لاستغلالها في التدريس عندما أحصل على فرصة عمل، وكنت أتقاضى منحة زهيدة في نهاية العام لا تغني من جوع".
لا تختلف قصة رشيد عن قصص كثيرين من العاطلين من العمل في الجزائر، على الرغم من حملهم درجة الدكتوراه. من هؤلاء محمد الذي حصل على دكتوراه في الطب، عام 2015، وما زال حتى الآن من دون عمل، على الرغم من الحاجة الماسة للطواقم الطبية في المؤسسات الاستشفائية، والنقص الكبير في اختصاصيي طب الأشعة، وهو اختصاصه، ومراهنة الدولة على تحسين الخدمات الصحية خصوصاً في ظلّ جائحة كورونا. يقول محمد لـ"العربي الجديد" إنّ الحكومة الجزائرية جمدت مسابقات التوظيف على مستوى الإدارات والمؤسسات العمومية وهو ما جعل عشرات من الأطباء من دون عمل، فيلجأ بعضهم للعمل ساعات فقط على مستوى العيادات الخاصة، فيما يعمل البعض بنظام التعاقد الجزئي مع المستشفيات العمومية، وفق ما يسمح به قانون التوظيف العمومي الجزائري. تبدو على محيا محمد علامات الحسرة والحزن من المصير الذي يلاقيه رفقة زملائه، ويعلق: "إذا كان الحاصل على أعلى درجة علمية عاطلاً من العمل ، فما بالك بالحاصل على أدنى درجة علمية في الجزائر؟". يشير إلى أنّ وضعه أحبط كثيراً من أفراد أسرته: "بعدما كنت مصدر فخر لهم، باعتباري أول طبيب في العائلة، تحولت إلى مصدر لليأس لبعضهم، واقتنعوا أن لا مستقبل في الجزائر حين يبقى الطبيب من دون عمل لسنوات".
وفي غياب التوظيف، فضل عدد من حاملي شهادات الدكتوراه، والماجستير، التوجه إلى إنجاز مشاريع خاصة بالاستفادة من برامج الدعم والقروض المالية التي تقدمها الجزائر، فأنشأوا مؤسسات خاصة، لكنّ معظمها كان فاشلاً على المستوى الميداني، ولم يتمكن من النجاح بسبب عدم وجود دراسة جدية لسوق العمل ومتطلباته. لكنّ التوجه الجديد للدولة وتصريحات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الرامية إلى ضرورة إعطاء الأولوية للمؤسسات الصغيرة والناشئة أعطاهم بصيص أمل في إمكانية بدء مشاريع خاصة، على غرار سليمة، وهي مهندسة معمارية تخرجت من جامعة "باب الزوار" في العاصمة الجزائرية، ثم أكملت دراساتها العليا وحصلت على شهادة الماجستير عام 2012، وسافرت إلى فرنسا لمتابعة دراستها إلى أن حصلت على الدكتوراه، وتخصصت في هندسة المطارات والموانىء والمنشآت الكبرى، وفازت بالمرتبة الثانية في مسابقة أجريت من أجل إعداد دراسات تقنية لتحسين وتوسيع ميناء مرسيليا الدولي، جنوبي فرنسا. تقول لـ"العربي الجديد": "كنت أطمح للعمل في فرنسا، لكنّ أسرتي رفضت بقائي هناك، فعدت إلى الوطن بآمال كبيرة في أن أحظى بفرصة عمل، وأقدم أفكاري لخدمة بلادي، لكنّي بقيت من دون عمل طوال سنوات، إلى أن اقترضت مبلغاً مالياً وأسست رفقة صديقة لي مكتب دراسات صغيراً، وبدأت مسيرتي المهنية. ضاعت سنوات من عمري كنت قادرة فيها على تقديم الكثير للبلاد".
تشير الإحصاءات إلى أنّ هناك نحو 12 ألف خريج، يحملون شهادة الدكتوراه أو الماجستير، عاطلين من العمل في الجزائر، بحسب "اتحاد حاملي شهادات الدكتوراة والماجستير" المؤسس حديثاً والذي يدأب على تنظيم تحركات احتجاجية أمام دار الصحافة والبرلمان الجزائري من أجل لفت انتباه السلطات العليا في البلاد إلى ضرورة التكفل بهذه الفئة في أسرع وقت ممكن.
ملف بطالة خريجي الجامعات من ذوي الشهادات العليا، الذين أنفقت الدولة الجزائرية أموالاً طائلة في سبيل استفادتهم من التعليم العالي، رفع إلى الرئاسة، علّها تجد حلولاً لدى رئيس الجمهورية الجديد عبد المجيد تبون، سواء بتمكينهم من التوظيف المباشر بما أنّهم وصلوا إلى أعلى مستوى علمي بيداغوجي، ولكونهم جزءاً من النخبة التي تعول عليها البلاد، والكوادر الذين يمكن أن يسهموا في دعم وخدمة مؤسسات الدولة، أو ببرامج دعم خاصة تمكّنهم من مشاريع ذاتية. وقبل فترة قصيرة قدمت النائبة البرلمانية عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، شويحة لويزة، مذكرة إلى الرئاسة للنظر في وضع هذه الفئة. وقالت لويزة إنّ "حاملي شهادة الدكتوراه والماجستير في السنوات الأخيرة يقبعون في حفرة البطالة، فعلى الرغم من نجاحهم، وبعد عناء البحث لسنوات طويلة، يُحالون إلى البطالة في وضعية لا تليق بالجزائر. وهو ما ينعكس حتماً على عطائهم وعلى البحث العلمي". ولفتت إلى أنّ "أغلبهم يجد نفسه مضطراً للقبول بالتدريس المؤقت في الجامعات، وبمستحقات زهيدة لا تضمن لهم أدنى شروط الكرامة والاستمرار في العطاء والبحث العلمي".