تحضر ظاهرة استغلال الأرصفة بقوة في مدن جزائرية عدة، وبات التجار لا يبالون بإجراءات الردع والتحذيرات التي تصدرها السلطات المحلية وتستند إلى القانون، ولا تلقى المطالب آذاناً صاغية.
يشوّه استغلال التجار للأرصفة المناظر العامة في مدن وبلدات جزائرية عدة، في حين يعمل هؤلاء التجار بخلاف القانون. ويبدو أن السلطات غير قادرة على التحكم بالظاهرة أو إنهائها، وضبط الفضاء العام، رغم أنها تنفذ حملات لإزالة التعديات بين فترة وأخرى.
قبل خمسة أيام أطلقت السلطات في ولاية وهران حملة لإزالة التعديات في الأرصفة، ومنع التجار من استغلالها في شكل غير قانوني. وبخلاف الحملات السابقة، بدت السلطات هذه المرة أكثر حزماً في ردع المخالفات، وكبح الاعتداءات على الأملاك العامة واسترجاع حق المواطنين في الإفادة من الرصيف. وأشرف حاكم الولاية سعيد سعيود بنفسه على عملية تحرير الأرصفة المستغلة بطريقة غير قانونية، وتنفيذ تدابير الهدم الفوري لكل التوسّعات العشوائية للمحلات التجارية، وأكد للصحافيين أن العملية ستتواصل لتشمل كل الأرصفة والطرقات والساحات المستغلة من دون رخص في كل بلديات الولاية.
وقبل فترة قصيرة نفذت أجهزة الأمن في العاصمة الجزائرية حملة لتحرير الأرصفة ونزع الحواجز والسلاسل وصناديق السلع، ومنع احتكار واستغلال الأرصفة والطرقات العام، والقضاء على الظواهر السلبية، والحفاظ على المظهر الحسن للمدينة وحماية البيئة. واندرج ذلك ضمن حملة وطنية أطلقتها السلطات في مدن عدة في 23 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وقد لا يستغل تجار فقط أجزاء من أرصفة وشوارع في بعض البلدات، بل أيضاً أجزاء من طرقات عامة لترويج بضائعهم، خاصة في المدن الداخلية. وغالباً تستبق السلطات الشروع في تنفيذ عملية تحرير الأرصفة وإزالة التعديات بإرسال إنذارات الى جميع المعنيين من أجل دعوتهم الى تحرير الأرصفة وإزالة التوسعات العشوائية طوعياً.
وفي بلدة العفرون بولاية البليدة جنوبي العاصمة الجزائرية، أبلغت السلطات قبل أيام مجموعة من تجار خضار وفواكه كانوا يستغلون أرصفة وشارعاً كاملاً بأن أجهزتها ستحرر وتنظف الأرصفة والطرقات الرئيسية وتسترجع حرمة المسجد العتيق، أحد الأقدم في المنطقة، عبر إجبارهم على مغادرته، وفرض التزامهم العمل في السوق البلدي.
وفي بلدية الناظور غربي العاصمة الجزائرية، تحاول السلطات مقاومة الظاهرة، وإقناع التجار باحترام القانون وحق المارة، لكن تطبيق القوانين دونه صعوبات كثيرة. ويقول رئيس البلدية محمد جيدرت لـ"العربي الجديد": "تمنح الدولة من خلال المجالس المحلية التجار رخصاً قانونية لاستغلال ثلث الرصيف فقط، لكن بعضهم يتجنبون طلبها، وينفذون أعمالهم من دون الحصول عليها".
ويوضح أن "الصعوبات التي تواجهها السلطات في تطبيق قوانين الهدم وإزالة التوسعات الفوضوية للتجار على الأرصفة ترتبط بأسباب عدة منها عدم امتلاك إمكانات مادية وبشرية وأمنية كبيرة، وعدم خدمتها مصالح بلديات تعتمد على الحركة التجارية في دعم خزائنها. أيضاً ينعدم التنسيق بين الهيئات المعنية والسلطات المحلية في شأن منح رخص الأنشطة التجارية لأن بعضها لا يتلاءم مع طبيعة المواقع وصغر الأرصفة".
وتزداد الظاهرة في مناسبات مثل شهر رمضان أو الدخول المدرسي أو الأعياد، ما يجعل السلطات تعجز عن ضبطها رغم أنها تتسبب في فوضى وتشويهات كبيرة للطابع العام للمدن، وقد تجلب مخاطر صحية في ظل عرض سلع ومواد بطرق تخلو من أي وقاية.
وعموماً تنظم القوانين في الجزائر أساليب استغلال الأرصفة في الأنشطة التجارية، إذ تسمح باستخدام بعض المقاهي أجزاءً من الشوارع، استناداً إلى شروط معينة يجري الاتفاق عليها بينها عدم إعاقة حركة المارة، والحصول على تراخيص من السلطات، وهو ما يحصل في بعض شوارع العاصمة الجزائرية منها ديدوش مراد وساحة البريد المركزي وعسلة حسين. لكن غالبية التجار وأصحاب المقاهي لا يحترمون هذه الضوابط القانونية، وهم لا يكتفون أحياناً باستغلال الأرصفة، بل يتعمدون تغيير طبيعتها وإقامة متاريس تحيط بها".
ويعزو الأمين العام للمنظمة الوطنية لحماية المستهلك حمزة بلعباس بعض أسباب تنامي الظاهرة إلى قِدم بعض المدن التي أنشئت خلال زمن الاستعمار، ولم تعدل أرصفتها وشوارعها لتتماشى مع التطور السكاني والديمغرافي الذي شهدته الجزائر، إضافة إلى شراء تجار محلات صغيرة رغم أن بضائعهم تحتاج إلى مساحات كبيرة، ما يدفعهم في النهاية إلى إخراج سلعهم إلى الأرصفة واحتلالها ما يتسبب في انعدام مساحات المشي، وهو حق يكفله القانون للمواطنين".