تتكرر في الجزائر جرائم الاحتيال عبر انتحال الصفة، وتنشر الشرطة باستمرار إعلانات للجمهور تطلب فيها الحصول على إفادات ومعلومات عن أشخاص يمارسون النصب عبر انتحال صفة مسؤولين وموظفين حكوميين أو ممثلين لمصالح إدارية، والذين ينجحون غالباً في الحصول على مبالغ مالية من مواطنين، ومع تفاقم الظاهرة أجرت الحكومة تعديلات في قانون العقوبات تضمنت زيادة فترات سجن من يثبت تورطهم.
انتحل أحد المحتالين في منطقة تيبازة قرب العاصمة الجزائرية صفة رئيس دائرة (حاكم مقاطعة)، ويخبر أحمد الذي رفض كشف هويته بالكامل "العربي الجديد" أن "هذا الشخص أوهمنا بأنه سيسمح لنا بالحصول على سكن اجتماعي، وطلب منا تحويل مبلغ مالي إلى حساب، وهو ما رفضت فعله ليس لأنني شككت في الشخص نفسه، بل لأنني رفضت هذا الأسلوب غير القانوني، لكن آخرين اختاروا التعامل معه، ووقعوا في الفخ الذي نصبه لهم، قبل إعلان جهاز الأمن توقيفه".
وقبل أيام أعلنت أجهزة أمنية توقيف مشبوهين في تنفيذ عمليات نصب واحتيال عبر انتحال صفات مسؤولين في هيئات نظامية، علماً أن الشرطة تنشر مع كل إعلان صوراً للمحتالين كي يستطيع المواطنون التعرف عليهم، خاصة أن بعضهم يتعمدون تزوير أسمائهم وعناوينهم لمنع الضحايا من التعرف عليهم والادعاء عليهم، أو الوصول إليهم بعد تنفيذ جرائمهم.
وقررت السلطات القضائية سجن شخص أدين بانتحال صفة مسؤول قضائي وآخر أمني، وأوضحت أنه أوهم بعض ضحاياه بأنه يعمل وكيلاً للجمهورية لدى محكمة الشراقة في العاصمة الجزائرية، وأوهم آخرين بأنه عقيد في الجيش، ودعت كل من تعامل معه إلى الاتصال بالمحكمة لتقييد شكوى، أو الإدلاء بشهادته.
وأحياناً ينتحل أشخاص صفة موظفين في شركات الكهرباء للسطو على المنازل، أو صفة أطباء بيطريين لسرقة المزارعين، وفي حال عدم توقيف هؤلاء بعد تلقي شكاوى من الضحايا، تلجأ السلطات إلى تحذير الناس عبر نشر صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وطلب المساعدة لتوقيفهم، كما تنشر صورهم وأسماءهم في المطارات والمعابر الحدودية لمنع هربهم إلى خارج البلاد.
ويعزو خبراء في علم الإجرام الظاهرة إلى انتشار الفساد في البلاد خلال العقود السابقة، ووجود تعقيدات في إنجاز المعاملات الإدارية وتنفيذ مصالح المواطنين، أو تحصيل حقوق اجتماعية خاصة بالسكن، وهي ظروف توفر فرصاً مثالية للنصابين من أجل تنفيذ جرائمهم عبر انتحال صفات مسؤولين أو موظفين، وإيهام المواطنين بإمكان إنجاز مصالحهم مستغلين طمع بعض المواطنين، وجهل البعض الأخر بالقانون.
ويقول المتخصص في علم الاجتماع في جامعة يحيى فارس بمدينة المدية، حسان عيط، لـ"العربي الجديد": "هذه الظاهرة من بين آثار الفساد وتدهور الخدمات العامة، وعدم تلبية المطالب الاجتماعية على أكمل وجه، وتمنح هذه الأوضاع منتحلي الصفة فرصة الاحتيال على المواطنين. السلوك الإجرامي للمحتالين يهدف إلى الحصول على مكاسب مالية، أو تحقيق رغبتهم في الانتماء إلى شخصيات مرموقة من أجل كسب الاحترام والتقدير، ولهذا أضرار قد تكون كبيرة على الضحايا، وسبل الوقاية تتمثل في تكثيف التوعية، خاصة في ظل التغيّرات التكنولوجية، وانتشار انتحال الصفات في منصات التواصل الاجتماعي، إلى جانب تشديد العقوبات على المجرمين".
وصادق البرلمان الجزائري في منتصف الشهر الماضي، على القانون المتعلق بمكافحة التزوير واستعمال المزور، والذي يتضمن تشديد العقوبات في حق كل من يتورط في قضايا انتحال وظائف وألقاب وأسماء، بهدف وضع حدّ للظاهرة التي شملت مجالات عدة، وسمحت بحصول البعض من دون وجه حق على امتيازات.
ويؤكد المحامي المعتمد لدى مجلس قضاء البليدة، أمين بن زيان، لـ"العربي الجديد"، تزايد قضايا انتحال الصفة التي تنظرها المحاكم، والتي كان ضحيتها مدراء وولاة وأشخاص عاديون، ويشيد بالتعليمات التي تصدرها دوائر وزارية للمديريات الفرعية من أجل حث المسؤولين على ضرورة الإبلاغ عن أي شخص يشتبه في انتحاله صفة موظف في الدولة.
ويقول إن "المشرّع الجزائري عزز عقوبة جريمة انتحال الصفة في قانون العقوبات، حيث يجرم فعل انتحال صفة أحد العاملين في الوظائف العمومية أو العسكرية بالسجن بين سنة وخمس سنوات ودفع غرامات، كما يعاقب من ارتدى ملابس تخص وظيفة معينة أو وضع وساماً رسميًا يخص أفراداً في الشرطة أو الجيش بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنة مع دفع غرامة مالية، أو بتنفيذ عقوبة واحدة فقط في حال عدم وجود ظرف مشدد للجريمة".