تكرر منظمات مدنية ومراكز بحثية وجامعات في ليبيا، تنظيم لقاءات مفتوحة ومحاضرات وورش عمل للتوعية من مخاطر الاستخدام السيئ للتقنيات الحديثة، وطرق الوقاية من عمليات الابتزاز الإلكتروني، كان آخرها محاضرة نظمتها جامعة الزاوية، غربي العاصمة طرابلس، الأسبوع الماضي، حول الجرائم الإلكترونية، تحت عنوان "احذر أن تكون أنت التالي".
وتزايدت حالات الابتزاز الإلكتروني خلال الفترة الأخيرة، ففي مطلع فبراير/شباط الجاري، أعلنت مديرية أمن طرابلس ضبط شاب ابتزَّ خطيبته السابقة من أجل الحصول على المال بتهديدها بنشر صور لها.
وفي نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، قبضت مديرية أمن بنغازي على وافدين أجانب بتهمة ابتزاز النساء عبر تطبيق "واتساب"، مشيرة إلى أنها تابعت شكوى من مواطن تعرضت زوجته للابتزاز عبر اتصالات وردتها من مجهولين، وتمكنت من ضبطهم، وبالتحقيق معهم تبين أنهم ابتزّوا العديد من الفتيات والنساء.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت السلطات القبض على شخص قام بفتح حسابات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف الابتزاز، ونشر صور نساء كان يعدهنّ بالزواج، ويطالبهن بدفع أموال له مقابل إزالة تلك الصور. وقبلها أعلن جهاز الردع الأمني في طرابلس، القبض على شخص استدرج فتيات على مواقع التواصل الاجتماعي، وابتزّهنّ للحصول على مبالغ مالية.
طالبت السلطات الليبية المواطنين بالإبلاغ عن أي تهديد أو ابتزاز إلكتروني
وطالبت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية المواطنين بالإبلاغ الفوري عن أي محاولة ابتزاز يتعرضون لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، محذرة من التعامل مع أشخاص غير جديرين بالثقة، أو مجهولين حتى لا يقعوا ضحايا لجرائم الابتزاز أو الاحتيال.
وأعلنت وزارة الداخلية في حكومة شرق ليبيا، منتصف العام الماضي، بدء تفعيل قانون الجريمة الإلكترونية الصادر عن مجلس النواب في عام 2022، واستخدام أحدث التقنيات الرادعة لكل من يشكل سلوكه أو استخدامه للتقنيات مساساً بالآداب العامة، أو جرائم ابتزاز أو نصب أو احتيال.
ويشدد القانون على ضرورة حماية التعاملات الإلكترونية، ويهدف إلى الحد من وقوع الجرائم الإلكترونية بتحديد تلك الجرائم، وإقرار العقوبات الرادعة لها بما يؤدي إلى المساعدة على تحقيق العدالة، والأمن المعلوماتي، وحماية النظام والآداب العامة.
ويصف الناشط عادل البلغزي إجراءات السلطات الأمنية بأنها "غير جادة" فيما يخص حماية المواطنين، إذ تقتصر على دعوة المواطنين للإبلاغ عن أية حالات ابتزاز أو احتيال من جانب وزارة الداخلية في طرابلس، بينما وزارة الداخلية في الشرق هدفها الأساسي ملاحقة المعارضين السياسيين بتهمة الجريمة الإلكترونية.
ويشدد البلغزي في حديثه مع "العربي الجديد"، على ضرورة إصدار قانون لحرية التعبير للموازنة مع قانون الجريمة الإلكترونية، حتى لا يتم توظيف الأخير في المصالح السياسية، ويضيف: "الإنترنت توفره شركة واحدة في ليبيا، وهي تتبع الحكومة، ما يسهل عمليات الملاحقة والضبط والمعاقبة على الجرائم الإلكترونية، ويضبط وتيرة الخروج عن الطور الصحيح لاستخدام الإلكترونيات والتطبيقات، لكن السلطات لا تفعل شيئاً، لأن حماية المواطن ليس على قائمة أولوياتها، والحالات التي تُعلن لا تعكس حجم الظاهرة، وأعتقد أن بعض المتصيدين يمكنهم الوصول إلى معلومات الأشخاص والشركات في ظل غياب الرقابة والمتابعة في البلاد. هناك محاولة لتصوير أن الظاهرة تقتصر على استهداف النساء والفتيات، بينما من يبحث عن المال من خلال الابتزاز يمكنه الوصول إليه عن طريق اختراق الشركات".
ويستشهد الناشط الليبي على توظيف قانون الجريمة الإلكترونية بحادثة اعتقال السلطات الأمنية في بنغازي للمدونة حنين العبدلي خلال العام الماضي، على ذمة قضايا "مُخلّة بالشرف والآداب العامة"، في حين أن العبدلي هي ابنة حنان البرعصي التي اغتيلت في مدينة بنغازي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بعد معارضتها سياسيات الحكم العسكري.
شاركت إكرام الشديد في المحاضرة التي نظمتها جامعة الزاوية حول الابتزاز الإلكتروني، وتؤكد لـ"العربي الجديد" أن الأزمة مردها غياب الوعي بمخاطر الجرائم الإلكترونية، وأن "نسبة كبيرة من مخاطر الاستخدام سببها عدم معرفة المستخدم بالأمور التي يمكن أن تجعله ضحية. الابتزاز الإلكتروني هو نوع من التهديد والترهيب الذي يطاول فئات المجتمع، وإن كان على السلطات القيام بدورها في التوعية والتثقيف، فلا ينبغي أن نلقي باللوم على السلطات وحدها، وننتظر أن يقع أولادنا في براثن المبتزين، بل يجب توعيتهم بكيفية حماية حساباتهم من الاختراق، وكيفية التعامل مع التهديدات".