الثقة بالشرطة البريطانية "في الحضيض"

05 أكتوبر 2021
مفوضة شرطة لندن كريسيدا ديك في لحظة أسف (حسن إيسن/ الأناضول)
+ الخط -

تعترف الشرطة البريطانية بأن ثقة المواطنين بها، خصوصاً النساء، أصبحت في الحضيض، بسبب قضية قتل الشابة الثلاثينية سارة إيفرارد (33 عاماً) إثر خطفها واغتصابها على يد ضابط أمن يدعى واين كويزينز لدى عودتها إلى منزلها في 3 آذار/ مارس الماضي. وفي محاولته استعادة الثقة المفقودة، أبلغ وزير الشرطة كيت مالتهاوس شبكة "سكاي نيوز" أخيراً أن "اتصال السيدات برقم 999 المخصص للطوارئ أمر معقول إذا شعرن بعدم الارتياح من توقيفهن من رجل أمن يعمل بمفرده".
ونهاية أغسطس/ آب، ثبّتت محكمة الاستئناف في لندن حكم إدانة كويزينز الذي نفذ جريمته بعدما خدع الضحية سارة عبر الزعم أنه ضابط في السفارة الأميركية، وأوقفها بحجة خرقها حظر التجوال المفروض بسبب كورونا. والتقطت كاميرات مراقبة مشاهد لعملية التوقيف، قبل أن يعترف كويزينز بارتكاب الجريمة، ويروي تفاصيلها في يوليو/ تموز الماضي. وأطلقت الجريمة تظاهرات، وأثارت جدلاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تحدثت نساء عن شعورهن بعدم الأمان لدى وجودهن بمفردهن في أماكن عامة. وأطلق ناشطون وناشطات وسم "اكتبي لي عندما تصلين إلى المنزل"، ما عكس غياب الشعور بالأمان حتى مع رجال الشرطة. 

ورغم أن محكمة الاستئناف قضت بأن يمضي كويزينز باقي حياته خلف القضبان من دون منحه فرصة المطالبة بإطلاق سراح مشروط بعد سنوات، يبدو أن الثقة لن تعود بسرعة بين رجال الشرطة الذين يفترض أنهم يحمون المجتمع، والنساء اللواتي يشعرن بخوف من استغلال الشرطيين لمناصبهم من أجل التحرش بهن، وتنفيذ عمليات توقيف غير قانونية. 
وقد أصابت قضية قتل سارة السلطات بحرج كبير بلغ حد دعوة نواب إلى استقالة رئيسة شرطة لندن، كريسيدا ديك، بسبب أسلوب تعاملها مع القضية. وبعد صدور حكم إدانة كويزينز اعترف مالتهاوس بأن الثقة منعدمة بالكامل بين عدد من النساء والشرطيين، خصوصاً لدى أولئك الناشطين في حركة "اكتبي لي عند الوصول إلى المنزل"، بعدما أظهرت محاكمة القاتل كويزينز أن زملاءه دأبوا على إطلاق لقب المغتصب عليه. ويعتقد منتقدو الشرطة أن هذا الأمر كان يجب أن يدق أجراس الإنذار في شأن كويزينز. من هنا اعتبر مالتهاوس أن "استعادة الثقة تتطلب عملاً جدياً"، بينما قالت شرطة لندن إن "ما حصل وجّه ضربة مدمرة لثقة الناس بالعناصر".
ويرى البعض أن تدخل مالتهاوس يشير إلى اتساع أزمة الشرطة البريطانية بسبب هذه الجريمة التي وضعتهم "في أوقات صعبة جداً". 
وفيما تعالت الأصوات التي تطالب النساء والفتيات بالهرب إذا شعرن بعدم الأمان بالتواجد مع شرطي يبلغهن بمفرده، أنهن موقوفات، علّقت شرطة لندن على تثبيت الحكم ضد كويزينز بأن "قتل سارة جزء من إشكاليات أكبر حجماً. ونحن ندرس إدخال تعديلات على عملنا من خلال مبادرات تهدف إلى تحسين سلامة النساء والفتيات في لندن، بينها تعيين 650 ضابطاً جديداً لنشرهم في أماكن مزدحمة تشعر النساء فيها بعدم الأمان". 
وأوضحت الشرطة أن "توقيف رجل أمن بثياب مدنية بمفرده شخصاً أو زعمه أنه يبحث عن شخص أمر غير مألوف. وإذا حدث ذلك وشعر المعني بخطر وشيك وأنه ليس في مأمن مع شخص منفرد فيمكن أن يصرخ على المارة أو يركض نحو منازل وطرق أبواب أو التلويح لباص يمر، أو حتى يتصل برقم الطوارئ 999 إذا استطاع ذلك". 

الصورة
لافتة "يد الشرطة ملطخة بالدم" في لندن (تولغا أكمن/ فرانس برس)
لافتة "يد الشرطة ملطخة بالدم" في لندن (تولغا أكمن/ فرانس برس)

وفي يوم تثبيت محكمة الاستئناف إدانة كويزينز نهاية أغسطس/ آب الماضي، تظاهر ناشطون أمام مقر المحكمة للاحتجاج بشدة ضد عمل الشرطة التي يعتبرون أنها تتراخى مع المنتسبين إليها، ولا تدقق بشكل عميق في خلفياتهم وسلوكهم. 
واستدعى السجال حول الجريمة تدخل المشرعين من خلال دعوة نواب بينهم هاريت هارمان التي تنتمي إلى حزب العمال المعارض، وكاروليننا نوكس التي تنتمي إلى حزب المحافظين، بعد الإطلاع على تفاصيل جريمة القاتل وسجله السابق في عالم الجريمة واستغلال منصبه للتحرش بنساء، إلى المطالبة باستقالة رئيسة شرطة العاصمة لندن، كريسيدا ديك. ونقلت شبكة "سكاي نيوز" عن نوكس قولها إن "بيان الشرطة الخاص بالجريمة، والذي أوضحت فيه جملة إجراءات لمعالجة ما يحصل ومنع تكراره لا تكفي لاستعادة الثقة، وجعل النساء يشعرن مجدداً بالطمأنينة في التعامل مع رجال الأمن، وتطبيق الأوامر الصادرة عنهم في الشوارع والأماكن العامة". 
وتدخل رئيس الوزراء المنتمي إلى حزب المحافظين بوريس جونسون في السجال الدائر حول جريمة قتل الشابة سارة. ولم يتردد في القول إن "الشرطة تغضب الناس لأنها لا تتعامل بجدية كافية، ولا تظهر الحسم المطلوب ضد العنف المرتكب ضد النساء، كما لا تفعل ما يكفي لمساعدة الضحايا".

ونشرت وسائل الإعلام البريطانية نتائج استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "يوغوف"، وأظهر أن نسبة 38 في المائة من البالغين يعتقدون بأن مفوضة الشرطة في لندن، يجب أن تستقيل، بينما يصرّ جونسون على دعمها للبقاء في منصبها ومواصلتها مهماتها في الحفاظ على الأمن، رغم موجة الغضب العارم ضدها في الشارع.

المساهمون