التهاب كبد حاد... إصابات مجهولة المنشأ تستهدف الأطفال

03 مايو 2022
ظهور حالات فشل كبد تام عند الأطفال أمر غير عادي (Getty)
+ الخط -

 

قبل نحو شهر، بدأت تظهر إصابات بالتهاب كبد حاد تُسجّل بين أطفال في مناطق مختلفة. وقد استنفر الأمر السلطات الصحية الأوروبية والأميركية الشمالية للتحقيق في ما هو مستجدّ، في حين أنّ جائحة كورونا ما زالت تؤرّق العالم.

ما زالت التحقيقات جارية لتحديد سبب إصابات الأطفال بالتهاب كبد حاد مجهول المنشأ تُسجَّل أخيراً حول العالم، والتي طاولت بحسب آخر بيانات منظمة الصحة العالمية صغاراً في 11 دولة. وتتراوح أعمار الأطفال المصابين بالتهاب الكبد هذا ما بين شهر واحد و16 عاماً، فيما توفي طفل واحد واستلزم نحو عشرة في المائة من الأطفال عمليات زرع كبد. وقد أظهر الأطفال الذين كانوا يتمتعون بصحة جيدة قبل إصاباتهم اضطرابات في الجهاز الهضمي، من آلام في البطن وإسهال وتقيّؤ. كذلك أصيب كثيرون باليرقان، أي اصفرار لون الجلد والعينَين الناجم عن زيادة مفرطة في مستوى مادة "بيِليروبين" في الدم.

وكانت المنظمة الأممية قد أبلغت، في الخامس من إبريل/ نيسان المنصرم، عن عشر إصابات بالتهاب كبد حاد عند أطفال لم يتجاوزوا عشرة أعوام في اسكتلندا. وبحلول الثامن من الشهر نفسه، بلغ عدد الإصابات 74 في المملكة المتحدة، من دون أن تكون هذه الإصابات مرتبطة بفيروسات من النمط "إيه" أو "بي" أو "سي" أو "دي" أو "إي" التي تتسبّب عادة بالتهاب الكبد الفيروسي.

وفي الثامن والعشرين من إبريل المنصرم، وبعد رصد إصابات إضافية في عدد من الدول المختلفة، أفاد المركز الأوروبي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها أنّ رصد إصابات مجهولة المنشأ بالتهاب الكبد الحاد لدى أطفال في عدد من الدول الأوروبية وغير الأوروبية هو "أمر مقلق يتعلّق بالصحة العامة"، لافتاً إلى أنّه غير قادر في الوقت الراهن على تقييم المخاطر بدقّة. وأعاد المركز القلق إلى "المسببات المجهولة" لالتهاب الكبد الحاد هذا، وإلى أنّ المرض نادر جداً، فيما الأدلة على انتقال العدوى من إنسان إلى آخر ما زالت غير واضحة.
في الإطار نفسه، قالت الباحثة في الأمراض الانتقالية في معهد "تيليثون كيدز إنستيتيوت" الأسترالي للبحوث، آشا بوين، بحسب ما نقلت صحيفة ذي غادريان البريطانية، إنّ "الأمر غير عادي، خصوصاً ظهور حالات فشل كبد تام عند الأطفال، وهذا أمر نادر في مرحلة الطفولة، الأمر الذي يضعنا في حالة تأهب قصوى". من جهتها، لفتت الخبيرة في مجال مقاومة مضادات الميكروبات في المركز الأوروبي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، أيكاتيريني موجكو، بحسب ما نقل موقع "ساينس ألرت"، إلى أنّ "الحالات مثيرة للقلق بما أنّنا لا نعرف سببها، ولا نعرف طريقة انتقال العدوى ولا كيفية الوقاية منها وعلاجها".

الصورة
طفل رضيع مريض في المستشفى (Getty)
أعمار المصابين تتراوح ما بين شهر واحد و16 عاماً (Getty)

فرضيات ونفي

وعن الأسباب المحتملة وراء هذه الإصابات بين الأطفال، أشار بيان صادر عن وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة إلى الفيروسات الغدية، التي تتسبّب في نزلات برد والتهاب الشعب الهوائية والإسهال، من دون أن تؤدّي إلى مرض خطير في الغالب، بالإضافة إلى عامل مساعد. لكنّ تقريراً صادراً عن منظمة الصحة العالمية لفت إلى أنّ فرضية الفيروسات الغدية لا تفسّر بشكل كامل خطورة الصورة السريرية، فالفيروس الغدي من نوع "41"، والذي سُجّل في 18 حالة، لم يُربَط سابقاً بالتهاب الكبد الحاد عند الأطفال الأصحّاء.

وأظهرت 74 حالة على أقلّ تقدير إصابات بالفيروسات الغدية، فيما حُدّدت إصابات بفيروس كورونا الجديد (سارس-كوف-2) لدى 20 حالة. وكانت المملكة المتحدة وهولندا قد شهدتا ارتفاعاً في عدد الاصابات بالفيروسات الغدية في المجتمع. وبحسب بيان صادر عن المركز الأوروبي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإنّ 75 في المائة من الحالات في المملكة المتحدة و50 في المائة من الحالات في هولندا أظهرت إصابات بالفيروسات الغدية.

من جهته، رجّح المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي)، يوم الجمعة الماضي، استناداً إلى تحاليل لإصابات بالتهاب الكبد الحاد لدى أطفال صغار جداً في الولايات المتحدة الأميركية، أن تكون الفيروسات الغدية وراء الحالات الغامضة من دون أن يجزم بذلك. واستبعد المركز الأميركي أن تكون حالات التهاب الكبد الحاد تلك مرتبطة بفيروس كورونا الجديد أو فيروسات التهاب الكبد "إيه" أو "بي" أو "سي". وتنقل "ذي غادريان" البريطانية عن بوين قولها إنّ "هذه الفرضية هي الأكثر ترجيحاً، لكنّ ثمّة قدراً كبيراً من عدم اليقين بشأن ذلك".

وبحسب ما نقلت وكالة رويترز عن مدير الصحة العامة في اسكتلندا جيم ماكمينامين، فإنّ العمل جار لمعرفة ما إذا كانت الفيروسات الغدية قد شهدت تحوّراً يجعلها تتسبّب في مرض أكثر خطورة، أو إن كان السبب يكمن في الفيروسات الغدية إلى جانب فيروسات أخرى، بما ذلك فيروس كورونا الجديد. كذلك نقلت "رويترز"، عن مستشار أمراض الكبد في "كلية لندن الإمبراطورية" سايمن تايلر روبنسون، أنّ ثمّة احتمالاً لربط الأمر باستجابة مفرطة لجهاز المناعة غير المعتاد على مثل هذه المخاطر.

وبدا المركز الأوروبي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها حاسماً عندما أفاد بأنّه لم يتمكّن من تحديد تعرّض مشترك للأطفال المصابين بالتهاب الكبد الحاد مجهول المنشأ بعد جمع معطيات متعلقة بغذائهم وشرابهم وعاداتهم الشخصية.

من جهة أخرى، طرحت مديرة المركز الأوروبي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، أندريا أمون، فرضية أخرى تشير إلى أنّ الحجر المنزلي خلال أزمة كورونا الوبائية أضعف جهاز المناعة لدى الأطفال، بسبب قلّة التعرّض إلى مسببات الأمراض من بكتيريا وفيروسات وطفيليات.

واستبعدت منظمة الصحة العالمية وجود رابط بين مضاعفات اللقاحات المضادة لكوفيد-19 وظهور إصابات التهاب الكبد الحاد الأخيرة، إذ إنّ الأطفال المعنيين لم يتلقّوا أيّ لقاح من هذا النوع بسبب صغر سنّهم.

ونفت مديرة الحالات السريرية والناشئة في وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة ميرا تشاند، بحسب ما نقل عنها موقع "ساينس ألرت"، وجود رابط بين الإصابات وعقار "باراسيتامول" الذي تسبّب الجرعات الزائدة منه التهاباً في الكبد.

واستناداً إلى كل ذلك، طلبت منظمة الصحة العالمية من الدول رصد حالات التهاب الكبد الحاد مجهول المنشأ، وأخذ عيّنات من الأطفال المصابين وتحليلها، مع ضرورة التحقّق من الأسباب الانتقالية وغير الانتقالية. وقد عبّرت المنظمة عن دعمها الدول في تقصّي الإصابات والإبلاغ عنها، وجمع المعلومات ونشرها من خلال الشبكات والجمعيات المعنية. ولم توصِ المنظمة بأيّ قيود على السفر أو التجارة مع المملكة المتحدة أو أيّ دولة أخرى تُكتشف فيها حالات مشابهة.

الصورة
أطفال وغسل يدين بالمياه والصابون (أديتيا إيراوان/ Getty)
ينصح خبراء بغسل اليدَين بالماء والصابون وسط الغموض المسيطر (أديتيا إيراوان/ Getty)

عدد ضئيل

في بيانات منظمة الصحة العالمية، لم تُذكر أيّ دولة عربية حتى الآن، علماً أنّ المنظمة هي الجهة المخوّلة الإعلان عن ذلك والحسم بتصنيف الحالات بأنّها إصابات بالتهاب الكبد الحاد مجهول المنشأ. وفي لبنان، تشير رئيسة برنامج الترصّد الوبائي في وزارة الصحة العامة ندى غصن، لـ"العربي الجديد"، إلى "عدم رصد أيّ حالة التهاب كبد وبائي عند الأطفال مع عدم قدرة على توضيح العامل المسبّب". تضيف غصن أنّ "الوزارة سوف تعمّم على كلّ المستشفيات في لبنان ضرورة تبليغها في حال رصد أيّ حالة التهاب كبد حاد غير معروف الأسباب وأخذ عيّنات من الأطفال للتقصّي". وتنصح غصن الأهالي بـ"ضرورة استشارة طبيب متخصّص في حال ظهور أيّ من أعراض اليرقان على أطفالهم".

وفي سياق متصل، صرّحت رئيسة الرابطة الأوروبية لدراسة الكبد ماريا بوتي، لوكالة رويترز، بأنّ عدد الإصابات ما زال ضئيلاً، غير أنّ القلق الرئيسي يكمن في أنّ المصابين هم من الأطفال وفي أنّ الحالات شديدة.

وأوصى المركز الأوروبي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بتعزيز ممارسات النظافة العامة، من قبيل تعقيم اليدَين وكذلك الأسطح في الأماكن التي يرتادها الأطفال الصغار.

ونقلت شبكة "سي أن أن" الأميركية عن المتحدثة باسم الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، أشليشا كوشيك، أنّه لا يتوفّر لقاح للفيروسات الغدية عند الأطفال، موضحة أنّها تميل إلى البقاء على الأسطح، علماً أنّ معقمات اليدَين التي تحتوي على كحول لا تكافح هذه الفيروسات جيداً. ونصحت كوشيك بغسل اليدَين بالماء والصابون وبالابتعاد عن الأشخاص الذين يظهر عليهم عارضا السعال والعطس.

تجدر الإشارة إلى أنّه بحسب آخر بيانات منظمة الصحة العالمية حول عدد حالات التهاب الكبد الحاد مجهول المنشأ حتى 21 إبريل 2022، سُجّلت 169 حالة على أقلّ تقدير في 11 دولة. وقد توزّعت الإصابات على الشكل الآتي: 114 في المملكة المتحدة، و13 في إسبانيا، و12 في إسرائيل، وتسع إصابات في الولايات المتحدة الأميركية، وستّ في الدنمارك، وخمس في أيرلندا، وأربع في هولندا، وأربع في إيطاليا، وحالتان في النرويج، وحالتان أُخريان في فرنسا، وحالة واحدة في رومانيا، وحالة واحدة أخرى في بلجيكا.

المساهمون