"التكايا" في السودان.. مراكز مكافحة الجوع بين رحى طرفي الحرب

08 أكتوبر 2024
التكايا تخفف حدة الجوع في السودان، القضارف، 13 يوليو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه المتطوعون في السودان تحديات كبيرة في تقديم المساعدات الغذائية بسبب الهجمات المتكررة من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على المطابخ الخيرية، مما يزيد من صعوبة تقديم المساعدات في ظل أزمة جوع حادة تؤثر على 25.6 مليون شخص.
- على الرغم من الدعم الدولي، يواجه المتطوعون مخاطر النهب والاعتداءات، وقد تعرض العديد منهم للاعتقال أو الاعتداء، مما أدى إلى مقتل بعضهم وتوقف العديد من المطابخ عن العمل.
- تسعى "غرف الطوارئ" للحفاظ على الخدمات الأساسية، لكنها تواجه عدم الثقة والاستهداف المتكرر، مما يضطرها لاتخاذ تدابير احترازية مثل إخفاء الإمدادات الغذائية.

يشكو متطوعون محليون في السودان من هجمات تستهدف التكايا المخصصة لإطعام أشد الناس فقراً، حيث يعتدي طرفا الحرب الدائرة في البلاد منذ 17 شهراً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على المتطوعين، ما يضاعف أزمة تقديم المساعدات الضرورية للمحتاجين وسط أكبر أزمة جوع في العالم.

وفر كثير من المتطوعين خوفا من تهديدات بالاعتقال‭‭‭‭ ‬‬‬‬أو العنف، وتوقفت المطابخ الخيرية (المعروفة في السودان باسم التكايا)، التي أقاموها في بعض المناطق الأكثر نكبة عن تقديم الوجبات لأسابيع في كل مرة. وتشير تقديرات إلى أن مئات الأشخاص يموتون يوميا من الجوع والأمراض المرتبطة بالجوع في السودان.

وتحدثت وكالة "رويترز" مع 24 متطوعا يديرون مطابخ في ولاية الخرطوم بوسط السودان ودارفور في الغرب وأجزاء من الشرق، حيث فر ملايين الأشخاص من منازلهم وفقدوا سبل عيشهم منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.

الصورة
التكايا تخفف من حدة الجوع في السودان، القضارف، 13 يوليو 2024 (فرانس برس)
التكايا تخفف حدة الجوع في السودان، 13 يوليو 2024 (فرانس برس)

وكثفت منظمات إنسانية دولية دعمها للمتطوعين لأنها لم تتمكن من إيصال المساعدات الغذائية إلى مناطق بالبلاد يحدق بها خطر المجاعة. لكن عشرة من المتطوعين قالوا لـ"رويترز" عبر الهاتف إن هذا جعلهم أكثر عرضة للنهب من قبل قوات الدعم السريع. ويشير جهاد صلاح الدين، وهو متطوع غادر مدينة الخرطوم العام الماضي وتحدث من القاهرة، إلى أنه "كنا في أمان عندما لم تكن قوات الدعم السريع على علم بالتمويل... ينظرون إلى مطابخنا مصدراً للطعام". 

وأوضح 12 متطوعاً أن كلاً من طرفي الصراع هاجم أو احتجز متطوعين للاشتباه في تعاونهم مع الطرف الآخر، وتحدث معظم المتطوعين شريطة عدم نشر هوياتهم خوفا من الانتقام. وقال متطوع في بحري، وهي مدينة تشكل إلى جانب الخرطوم وأم درمان منطقة العاصمة السودانية الكبرى، إن جنودا يرتدون أزياء قوات الدعم السريع سرقوا الهاتف الذي كان يستخدمه لتلقي التبرعات عبر تطبيق مصرفي على الهاتف المحمول إلى جانب ثلاثة ملايين جنيه سوداني (1200 دولار) نقدا مخصصة للغذاء في يونيو/حزيران الماضي. مضيفاً أن هذه كانت واحدة من خمس وقائع هذا العام تعرض فيها للهجوم أو المضايقة من قبل القوات شبه العسكرية التي تسيطر على أحياء يشرف فيها على 21 مطبخا تخدم نحو عشرة آلاف شخص.

الصورة
نساء سودانيات في مخيم زمزم 12 إبريل 2024 (Getty)
الصراع والقيود المفروضة على تسليم المساعدات تسببا بمجاعة في مخيم زمزم، 12 إبريل 2024 (Getty)

وذكر أنه في وقت لاحق من شهر يونيو/ حزيران اقتحمت قوات الدعم منزلا يضم أحد المطابخ في منتصف الليل وسرقت أكياسا من الذرة والفول. وقال المتطوع، الذي كان نائما في ذلك المنزل، إنه تم تقييده وتكميمه وجلده لساعات من قبل تلك القوات للحصول منه على معلومات بشأن من يمول مجموعة المتطوعين التي ينتمي إليها. ولم تتمكن "رويترز" من التحقق من روايته بشكل مستقل، لكن ثلاثة متطوعين آخرين قالوا إنه أبلغ بقية المجموعة بما حدث في ذلك الوقت. ووفقا لثمانية متطوعين من ولاية الخرطوم، التي تسيطر قوات الدعم السريع على معظمها، ارتفعت وتيرة هذه الحوادث مع زيادة التمويل الدولي للمطابخ الخيرية مع اقتراب فصل الصيف.

الأمم المتحدة: 25.6 مليون شخص يعانون من الجوع الحاد في السودان ويحتاجون إلى مساعدات عاجلة

وهناك مطابخ كثيرة لا توثق الهجمات، بينما رفض البعض الآخر تقديم التفاصيل خوفا من جذب الانتباه غير المرغوب فيه. ومع ذلك، وصف المتطوعون، في أحاديثهم لـ"رويترز"، 25 واقعة استهدفت خلالها مطابخهم أو متطوعين في الولاية منذ يوليو/تموز، بما في ذلك المزيد من السرقات والضرب واحتجاز ما لا يقل عن 52 شخصا.

وأعلنت مجموعات تدير مطابخ هناك عن مقتل ثلاثة متطوعين على الأقل في هجمات مسلحة، بما في ذلك شخص قالوا إنه قُتل برصاص قوات الدعم السريع في حي الشجرة بالخرطوم في سبتمبر/أيلول. ولم تتضح هويات المهاجمين الآخرين حتى الآن، ولم تتمكن رويترز من التحقق من الروايات.

وقال مدير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في السودان إيدي رو: "المطابخ المجتمعية في السودان تشكل شريان حياة للأشخاص الذين تقطعت بهم السبل في مناطق تشهد صراعا مستمرا". وأضاف "من خلال دعمها، يتمكن برنامج الأغذية العالمي من إيصال الغذاء إلى مئات الآلاف من الأشخاص المعرضين لخطر المجاعة، حتى في مواجهة القيود الشديدة على الوصول إلى المساعدات"، وذكر أنه يجب ضمان سلامة عمال الإغاثة.

الصورة
التكايا تخفف من حدة الجوع في السودان، القضارف، 13 يوليو 2024 (فرانس برس)
هناك مطابخ كثيرة لا توثق الهجمات عليها خوفاً من الملاحقات، 13 يوليو 2024 (فرانس برس)

ولم ترد قوات الدعم السريع ولا الجيش السوداني على أسئلة بشأن هذا التقرير. ولكن قوات الدعم السريع نفت في وقت سابق استهداف فرق الإغاثة، وقالت إن أي عناصر مارقة تفعل ذلك ستُقدم إلى العدالة. وقال الجيش أيضا إنه لا يستهدف عمال الإغاثة، لكن أي شخص يتعاون مع قوات الدعم السريع "المتمردة" معرض للاعتقال.

التكايا تخفف حدة المجاعة في السودان

يقول مسؤولون في الأمم المتحدة إن أكثر من نصف سكان السودان، أي 25.6 مليون شخص، يعانون من الجوع الحاد ويحتاجون إلى مساعدات عاجلة. وفي المناطق الأكثر نكبة لجأ السكان النازحون بسبب القتال أو المحاصرون في منازلهم إلى أكل الحشائش وأوراق الشجر.

وأنشأ متطوعون محليون مئات المطابخ في بدايات الحرب والتي كانت تقدم مرة أو مرتين في اليوم وجبات ساخنة، تتكون عادة من عصيدة الذرة الرفيعة أو العدس أو الفول. ولكن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتراجع التبرعات الخاصة، اضطر البعض إلى وقف أو تقليص الخدمات إلى خمس مرات فقط في الشهر.

وفي ولاية شمال دارفور، كان على مجموعة تدير مطابخ في مخيم يؤوي نصف مليون شخص نزحوا بسبب العنف العرقي التوقف عدة مرات عن تقديم الوجبات بسبب عدم كفاية التمويل، حسبما قال أحد المتطوعين هناك. وفي أغسطس/آب، قالت هيئة عالمية معنية بأزمات الجوع فإن الصراع والقيود المفروضة على تسليم المساعدات تسببا في مجاعة في مخيم زمزم.

الصورة
التكايا تخفف من حدة الجوع في السودان، القضارف، 13 يوليو 2024 (فرانس برس)
تبادل الطرفان المتحاربان في السودان الاتهامات بشأن تأخير تسليم مواد الإغاثة الغذائية، 13 يوليو 2024 (فرانس برس)

وتدير "غرف الطوارئ"، وهي شبكة واسعة من المجموعات المجتمعية، الكثير من المطابخ الخيرية، وحاولت الحفاظ على استمرار الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء وتوزيع المواد الغذائية والإمدادات الطبية. ولا يثق الجيش ولا قوات الدعم السريع في هذه المجموعات، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنها تضم أشخاصا كانوا أعضاء في "لجان المقاومة" التي قادت احتجاجات مؤيدة للديمقراطية خلال الانتفاضة التي أطاحت بعمر البشير في عام 2019. وقال المتطوعون الذين تحدثوا إلى "رويترز" إن أهداف غرف الطوارئ إنسانية بحتة.

وفي المناطق الأكثر تضرراً، قال متطوعون محليون إنهم يتعرضون للاستهداف أسبوعياً أو كل بضعة أيام من قبل عناصر مارقة، مقارنة بما يقرب من مرة واحدة في الشهر في وقت سابق من العام. وبدأ البعض في إخفاء الإمدادات الغذائية في مواقع مختلفة لتجنب خسارتها في هجوم واحد.

وتحدثت "رويترز" إلى تسعة متطوعين فروا من أجزاء مختلفة من السودان بعد استهدافهم من قبل طرفي الصراع. وقال المتطوع صلاح الدين "هذه الهجمات لها تأثير سلبي كبير على عملنا. نخسر المتطوعين الذين يخدمون مناطقهم".

وفي مناطق يحتفظ الجيش بالسيطرة عليها، وصف ستة متطوعين الاعتقالات والمراقبة التي قالوا إنها أثنت أشخاصا كانوا يساعدون في إدارة المطابخ عن مواصلة هذه المهمة، وهو ما قلل قدرتهم على العمل.

وتوصلت بعثة لتقصي الحقائق تابعة للأمم المتحدة إلى أنه من بين 65 قضية نظرتها محاكم شكلها الجيش لمن قال إنهم "قادة وموظفون" يتبعون لقوات الدعم السريع حتى يونيو/حزيران، استهدفت 63 دعوى نشطاء وعاملين في المجال الإنساني. وقالت البعثة في تقريرها إن من بينهم أعضاء في غرف الطوارئ. ووفقا لموظفي إغاثة، استخدم كلا الجانبين تكتيكات تشبه الحصار لمنع وصول الغذاء والإمدادات الأخرى إلى الجانب الآخر. وأضافوا أن قوات الدعم السريع ومليشيات متحالفة معها نهبت مراكز المساعدات والمحاصيل.

وتبادل الطرفان المتحاربان الاتهامات بشأن تأخير تسليم مواد الإغاثة الغذائية، في حين نفت قوات الدعم السريع نهب المساعدات. وقال قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في سبتمبر/أيلول، إنهما ملتزمان بتسهيل تدفق المساعدات.

(الدولار = 2500 جنيه سوداني)

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون