ما هي الخلاصة التي يمكن الخروج بها بعد الجولة الواسعة في مقالات سابقة عن واقع التعليم العربي في زمن فيروس كورونا، والتي وإن لم تشمل الدول العربية كافة، إلا أنها قدمت صورة عامة للوضع العربي في ظل الجائحة والتوجه نحو التعليم عن بُعد؟ فالثابت أن إقفال المدارس والجامعات يترك آثاره السلبية على التلامذة والطلاب من زوايا عديدة نفسية وسلوكية وتربوية، ولكن الأخطر أنه يعزز من احتمالية التسرب المدرسي لاحقاً بما يهدد مستقبل هذه الشريحة. فالمدرسة والجامعة بما تتطلبانه من انضباط تمارسان عملية غرس عادات جديدة في نفوسهم، وتساعدانهم بالتالي على التجاوب مع اعتبارات نظامية واجتماعية أولاً ومهنية ثانياً، وهي بالغة التأثير على سلوكياتهم.
على أي حال، كان الواضح خلال هذه المقاربة أن البُنية التحتية المطلوبة غير متوفرة في العديد من الدول ذات الاقتصادات الضعيفة ومتاحة في سواها، إذ تتطلب عملية التعليم هذه العناصر البشرية المؤهلة والوسائل التقنية المطلوبة للنجاح. علماً أن مسألة التعليم عن بُعد يجب أن تتجاوز حالة التفاعل مع الظرف الراهن لتتحول إلى توجه عام مستدام، ما يجعل منها عملية تعليم مستمر، يتم بعضه الآن تحت إشراف الهيئات التعليمية، ليصبح بعده بمثابة تعلم ذاتي متواصل مدى الحياة من خلال حض الطلاب على البحث والمشاركة وإشراك الأهل في العملية.
الأونيسكو وضعت 10 توصيات للتفاعل مع هذا التوجه، تتضمن أولاً اختبار درجات الاستعداد واختيار الأنسب من أدوات التكنولوجيا استناداً إلى الإمكانات المتوافرة. وثانياً ضمان وصول الجميع بمن فيهم المعوقون للإفادة من هذه الوسائط. وثالثاً التحقق من خصوصية البيانات ومن استخدام تطبيقات ومنصات لا تنتهك خصوصية بيانات الطلاب. وشددت في التوصية الرابعة على إعطاء الأولوية لمواجهة التحديات النفسية والاجتماعية بفعل العزل. وأكدت خامساً على أهمية تخطيط الجدول الدراسي لبرامج التعلم عن بُعد وتنظيم مناقشات مع الأطراف المعنية لفحص المدة المحتملة لإغلاق المدرسة. ودعت في البند السادس لتقديم الدعم للمعلمين وأولياء الأمور بشأن استخدام الأدوات الرقمية. كما دعت سابعاً إلى الدمج بين الوسائل المناسبة والحد من عدد التطبيقات والمنصات. وشددت التوصية الثامنة على تجنب طلب مهمات تربوية زائدة من الأهل. ودعت في التوصية التاسعة إلى تحديد مدة وحدات التعلم عن بُعد استنادًا إلى مهارات التنظيم الذاتي للطلاب بما يتلاءم مع قدراتهم خاصة في فصول البث المباشر. وأكدت في التوصية العاشرة على تشكيل مجموعات من المعلمين وأولياء الأمور ومديري المدارس لتعزيز التواصل ومعالجة الشعور بالوحدة أو العجز، وتسهيل تبادل الخبرات.
(باحث وأكاديمي)