التعليم في الأردن... حفظ وتلقين عفا عليهما الزمن

17 ابريل 2023
يتقيد معلمو الأردن بالمنهاج ولا يمنحون الطلاب حرية التفكير (Getty)
+ الخط -

توجَّه انتقادات عدة إلى التعليم في الأردن في شأن تراجع مخرجاته، وعدم مسايرة التطور العالمي، ويستدلّ على ذلك بمؤشرات أبرزها أن تحصيل الطلاب أقل من المستوى العالمي، خاصة في مادتي الرياضيات والعلوم. ويُطالب متخصصون بإجراء مراجعة عامة للنظام التعليمي تبدأ بالمناهج وتركز على دور المعلم المحوري، وتحسين البيئة التعليمية باعتبارها عنصراً مهماً، والاهتمام بباقي مؤسسات المجتمع التي تساهم في ترسيخ دعائم العملية التربوية، مثل الأهل والمؤسسات الإعلامية والثقافية والاجتماعية.

تقول الخبيرة التربوية خولة القدومي، لـ"العربي الجديد": "يرتبط تراجع التعليم في الأردن بعدة عوامل، وما تكشفه الامتحانات الدولية عن تدني التحصيل العلمي يرتبط بأسباب واضحة، فالطلاب لا يدرسون المناهج العالمية، ولم يتلقوا تعليمهم وفق أساليب تدريس حديثة، ومن الطبيعي بالتالي أن تتدنى نتائج طلاب يدرسون مواد تعليمية في حين تشمل الامتحانات مواد أخرى. والامتحانات الدولية تبنى على التفكير والاستنتاج وليس على الحفظ والتلقين". وترى أنه "يجب المقارنة أولاً بين الطلاب الأردنيين أنفسهم، وبالتحديد بين المدارس الحكومية وطلاب البرامج الدولية من أجل اكتشاف الفروقات الشاسعة بينهم، والتي تشير إلى وضع التعليم المقسوم بين النخب وأشخاص أقل حظاً، علماً أن الطلاب في المدارس الحكومية يدرسون بأساليب لم تتغير منذ عشرات السنين، وتركز على الحفظ والتلقين، ولا رابط بين الواقع والمدارس، والأمر يختلف حتى بين المدارس الخاصة، وتحديداً تلك التي تطبق برامج دولية".
تضيف: "لا أحد يستطيع أن ينكر أن التعليم يتراجع، ومن الضروري أن تركز عملية التعليم على التفكير والاستنتاج أكثر من تقديم معلومات الحفظ والتلقين. ومن يتعلم التفكير يعرف كيف يحصل على المعلومات، لكن من تعطه معلومات فسيبقى يكرر المحتوى ذاته".

الصورة
يتجاوز طلاب وطالبات المرحلة الجامعية بالاعتماد على العلاقات الشخصية (رمزي حيدر/ فرانس برس)
يتجاوز طلاب وطالبات المرحلة الجامعية بالاعتماد على العلاقات الشخصية (رمزي حيدر/ فرانس برس)

وتلفت القدومي إلى أنه "بين الأسباب المهمة لتراجع التعليم، غياب الحرية الممنوحة للطالب والمعلم معاً، فالمعلم ينفذ تعليمات مدير المدرسة، والمدير ينفذ تعليمات الوزارة، ولا يستطيع الخروج عنها خوفاً من التعرض لعقوبات إدارية. والمعلم مقيّد أيضاً بالمنهج، ويُمنع عليه أن يعطي الطالب حرية التفكير في شكل واسع، وإذا فكّر الطالب أكثر من المطلوب يقمعه المعلم، أما إذا فكّر المعلم أكثر فيقمعه المسؤول عنه، ولا يمكن تصوّر تطور التعليم في غياب الحرية". وتضيف: "لا وصفة سحرية لإصلاح التعليم الذي لن يتحسن إذا لم تتوفر نظرة إيجابية للتعليم كله، ويمنح الطالب القدرة على تعلم ما يريده ويحبه ويبدع به، ويجب أن نجعل الكتب التي عفا عليها الزمن فقط جزءاً من عملية التعليم، وليس كل هذه العملية، خاصة في ظل عصر الإنترنت والتعليم عن بعد".
وتشدد على ضرورة التفاعل بين المعلم والطالب، وألا يزيد عدد طلاب الصف الواحد عن 20 وليس 40 كما هو حالياً في مدارس كثيرة، وإعطاء حصص كاملة وليس لفترة 35 و40 دقيقة فقط بسبب نظام الفترتين الصباحية والمسائية في المدارس الحكومية، خاصة في ظل التفاوت في قدرات الطلاب. وبحسب خولة "تحتاج العملية التعليمية إلى ترميم واعادة هيكلة، والاهتمام بجميع الطلاب بالتوازي، وأن تكون أجواء المدارس غير قمعية، وأن تملك هذه المدارس حرية في تطبيق أساليب التعليم، وتتنافس بينها على فعالية هذه الأساليب، وليس على امتلاك حديقة وإجراءات النظافة، والرسم على الجدران" .

الصورة
تنطلق الإخفاقات التي تواجه التعليم في الأردن من الميزانية (Getty)
تنطلق الإخفاقات التي تواجه التعليم في الأردن من الميزانية (Getty)

بدوره، يرى منسق حملة "ذبحتونا" الوطنية من أجل حقوق الطلاب فاخر دعاس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الإشكالات والإخفاقات التي تواجه العملية التعليمية في الأردن تنطلق من الميزانية المخصصة لوزارة التربية والتعليم التي تنعكس على معظم الجوانب وأبرزها البنية التحتية للمدارس، فحالياً تطبق مدارس حكومية نظام الفترتين الصباحية والمسائية". ويوضح أنه "بعد جائحة كورونا تعرضت المدارس الحكومية في الأردن إلى ضغط كبير بسبب عودة أكثر من 200 ألف طالب خلال السنوات الثلاث الماضية من مدارس القطاع الخاص الى المدارس الحكومية، ما تسبب في مشاكل اكتظاظ في كثير منها، في وقت لا توجد ميزانية ومبالغ مخصصة لإنشاء مدارس تستوعب هذه الزيادة التي تضاف إلى الزيادة الطبيعية في أعداد الطلاب الذين يلتحقون بالصفوف الأولى في المدارس سنوياً". ويلفت دعاس إلى أن "المدارس الموجودة تحتاج أيضاً إلى تجهيزات وخدمات لوجستية تحاكي التطور والتحديث في العملية التعليمية، ما يتطلب ميزانيات تتناسب مع متطلبات تطويرها وتحديثها بما يناسب مواكبة الطلاب مناهج التعليم في العالم". ويشير إلى تراجع عدد الكوادر التعليمية مقارنة بزيادة عدد الطلاب، ما خفّض عدد الحصص الأسبوعية خاصة بمواد العلوم والكيمياء والفيزياء وعلوم الأرض، كما أن مسألة تأهيل المعلمين وتدريبهم لا تتناسب مع تطور التعليم وأساليب التدريس عالمياً. ويشرح دعاس أن "كل خطط الحكومة في السنوات العشر الأخيرة كانت تتجه الى تخفيض ميزانية الوزارة، ما أحال كثيرا من المعلمين على التقاعد، في حين أن التعيينات الجديدة لا تغطي الاحتياجات كاملة، وإجراء تخفيض الحصص العلمية وزيادة حصص النشاط لم تحقق الهدف المعلن بسبب عدم وجود بنية تحتية لممارسة هذه النشاطات التي تحوّلت إلى وقت فراغ". ودعا الحكومة والجهات المعنية إلى زيادة موازنة التربية والتعليم العالي، متهماً "البنك الدولي بالضغط على الحكومة الأردنية لتقليص مخصصات التربية والتعليم والصحة، ما ينعكس سلباً على الخدمات المقدمة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ووفق دائرة الإحصاءات العامة الحكومية، بلغت موازنة التعليم في الأردن للعام الحالي، 1.363 مليار دينار (1.9 مليار دولار)، وعدد المدارس في مختلف أنحاء المملكة 7315 من بينها 4005 مدارس حكومية و3093 خاصة. واستقر عدد مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين عند 169، إضافة إلى 48 مدرسة للثقافة العسكرية، ويبلغ عدد الطلاب 2.24 مليون طالب، منهم 1.63 مليوناً في مدارس حكومية، و123.440 في مدارس "أونروا"، ويعمل نحو 95 ألف مدرس في مدارس حكومية، ونحو 4 آلاف معلم في مدارس "أونروا"، ونحو 138 ألفاً في المدارس الخاصة.

المساهمون