التعايش مع كورونا... الدول ترفع بالتتالي القيود الاحترازية

23 فبراير 2022
بلا كمامات أمام حانة في السويد (يوهان نيلسون/ فرانس برس)
+ الخط -

تصدرت بريطانيا، أول من أمس الإثنين، مشهد إلغاء آخر القيود المرتبطة بفيروس كورونا، وبينها شرط التزام المصابين بالعزل الذاتي. وقال رئيس وزرائها بوريس جونسون: "تنتقل المملكة المتحدة من القيود الحكومية إلى المسؤولية الشخصية. لدينا الآن مستويات كافية من المناعة لاستكمال الانتقال من حماية الأشخاص عبر التدخّل الحكومي إلى الاعتماد على اللقاحات المضادة لكوفيد-19، والعلاجات ذات الصلة كخط دفاع أوّل". ويأتي ذلك ضمن استراتيجية بريطانيا لـ"العيش مع كوفيد- 19"، ومعالجته مثلما تُعالج أمراض معدية أخرى مثل الإنفلونزا.
وفي منتصف فبراير/ شباط الجاري، ظهرت أيضاً إشارات كثيرة إلى ما يشبه حال التعايش مع الفيروس في العالم، عبر إجراءات اتخذتها سلطات دول غربية بينها أستراليا وكندا، وتزامنت مع فرض بعضها إلزامية اللقاح الذي يبدو أنه نجح في تخفيف وطأة الإصابات، وقلّص عدد الوفيات. 
وأخيراً، انضمت ألمانيا إلى قائمة الدول الغربية التي تسير نحو تخفيف قيود جائحة كورونا ورفعها تدريجاً، تمهيداً لإنهاء عامين قاسيين من العيش وسط هواجس الفيروس. ولمّح مستشارها أولاف شولتز يوم الأربعاء الماضي إلى ما يشبه نهاية مع الفيروس في قرار سيتخذ في 20 مارس/ آذار المقبل، وقال: "بعد عامين طويلين باتت الأمور أفضل، ونعرف تماماً ماذا ينتظرنا في المستقبل"، ما يعني أن ألمانيا ستكون على موعد مع فصل ربيع طبيعي للمرة الأولى منذ عامين، ما يمهّد أيضاً لصيف سياحي نشيط اعتاد عليه الألمان في الداخل والخارج".  

وكانت الجارة الشمالية لألمانيا، الدنمارك، السبّاقة في رفع الإجراءات المشددة في أوروبا، بعدما منحت أكثر من 4 ملايين مواطن من أصل 5.5 ملايين جرعتي لقاح، و3.5 ملايين منهم جرعة ثالثة. لكن سلطاتها الصحية استمرت في تحذير الناس من إمكان عودة الفيروس عبر متحوّر جديد. ومع بداية فبراير/ شباط الجاري، بلغت نسبة تلقيح الدنماركيين 80 في المائة، فيما بقي معدل الإصابة بمتحوّر "أوميكرون" مرتفعاً في البلاد، لكن انخفاض الضغط على النظام الصحي وحالات الإدخال إلى العناية المركزة، منح السلطات بعض الأريحية لتخفيف الإجراءات المتخذة. 
وفي السويد، أعاد تخفيف القيود الناس بكامل طاقتها إلى المطاعم والحانات والملاعب الرياضية ودور السينما، وأسقط قرار العمل المنزلي. ولم تختلف الصورة في النرويج التي أكدت أيضاً أنها ستلغي كل الإجراءات السابقة، وبينها إظهار وثيقة الخلو من الفيروس والتباعد الاجتماعي والحجر الصحي للمصابين. 
إلى ذلك، أعلنت سويسرا أن تقديم وثيقة تطعيم أو اختبار سلبي لم يعد إلزامياً في الأماكن العامة والمدارس، وطبقت أيضاً رفع قيود يتعلق بسقف المسموح بمشاركتهم في نشاطات جماعية وأحداث كبيرة، لكنها أبقت على إلزامية وضع الكمامات في المستشفيات والعيادات ووسائل النقل حتى نهاية مارس/ آذار المقبل، وفرض الحجر الصحي لمدة 5 أيام على المصابين بالفيروس. 
وتتجه دول أخرى بينها إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، بحسب وضع كل منها ونسبة التطعيم فيها، نحو التحرر من قيود سنتين كاملتين من إجراءات أرهقت مجتمعاتها، لكنها قادتها فعلياً اليوم إلى تخفيف القيود ورفعها كلياً أو جزئياً. 

طوي صفحة "الإرهاق"
وتدرس فرنسا تخفيف الإجراءات إلى حد إلغاء إلزامية وضع كمامة كورونا في الأماكن المغلقة مع نهاية فبراير/ شباط الجاري. وسيشمل ذلك عودة العمل في المطاعم والحانات من دون إبراز وثيقة كورونا. وكانت حكومات البرتغال وإيرلندا وإسبانيا باشرت الشهر الماضي تخفيف قيود ارتداء الكمامات، مع انتشار شعور بأن "أوميكرون" غير قاتل رغم أن نسبة إصاباته لم تتراجع في غالبية الدول الغربية، لكن حالات الشفاء من دون الحاجة إلى دخول المستشفيات خففت الأحمال على الأنظمة الصحية التي بلغ بعضها حافة الانهيار خلال مواجهتها موجات ما بعد ربيع عام 2020، وبينها تلك في إيطاليا وإسبانيا والنمسا تحديداً التي شهدت تصاعد عدد المصابين في شكل جنوني وضرب قطاعات رعاية كبار السن، وخصوصاً في فرنسا وإسبانيا.
ويبدو أن الدول الثرية تتجه بعدما نفذت حملات تطعيم واسعة في الأشهر الأخيرة شملت نسبة 70 في المائة من سكانها على الأقل، إلى اعتبار فيروس كورونا مثل الإنفلونزا والجدري المائي، وبالتالي إلى "توطين" الوباء والتعامل معه كأنه في مراحله الأخيرة، وأنه سيحتاج إلى ما يشبه تطعيماً سنوياً، مثل الإنفلونزا. 

الصورة
ألمانيا تنهي قريباً عامين قاسيين من تدابير كورونا (جون ماكدوغال/ فرانس برس)
ألمانيا تنهي قريباً عامين قاسيين من تدابير كورونا (جون ماكدوغال/ فرانس برس)

قوافل الحرية
ومع تكرار مشاهد الاحتجاجات الكندية، وأهمها لسائقي الشاحنات التي سميت "قوافل الحرية"، في دول أوروبية عدة اضطرت سلطات بعضها إلى تخفيف القيود، وبينها بلجيكا التي قررت الجمعة الماضي "العودة إلى الحياة الطبيعية"، بحسب ما أعلن رئيس وزرائها ألكسندر دي كرو. وحذت بالتالي حذو الدنمارك في إلغاء وثيقة الخلو من كورونا وأخذ اللقاح والعمل من المنزل، وسمحت بارتياد المطاعم وإعادة فتح الأندية الليلية. ولحقت أمستردام بها في اليوم ذاته، بإعلانها رفع القيود عن الحانات ودور السينما، وعودة عمل المطاعم كما في الفترة السابقة للجائحة، من دون ارتداء كمامات أو تطبيق التباعد. 
وفيما لم تكن درجة الاحتقان أقل في الولايات المتحدة، أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة مونموث نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، أن نحو 70 في المائة من المواطنين "يعتقدون بأن الوقت حان لقبول كورونا في المجتمع مثل أي فيروس آخر". 
وكان العداد الأميركي للإصابات تراجع ما حتم رفع القيود على وضع الكمامات، رغم أنها أبقيت في المدارس والأماكن المغلقة المزدحمة. كما اعتبر معدل التلقيح في الولايات المتحدة أقل من أوروبا، لكن ذلك لم يمنع تململ الأميركيين من متطلبات الاستجابة للتدابير، والذي يتأثر أيضاً بالسياسة والانتخابات النصفية نهاية العام الحالي، في وقت يخشى الديمقراطيون أن يستغل معسكر المشككين وأصحاب نظرية المؤامرة الجائحة، كما حصل خلال ولاية الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب. 

الصورة
شهدت بلجيكا صدامات بين الشرطة ومحتجين على الإجراءات (كنزو تريبولار/ فرانس برس)
شهدت بلجيكا صدامات بين الشرطة ومحتجين على الإجراءات (كنزو تريبولار/ فرانس برس)

"لم تنته اللعبة"
وبالتزامن مع تزايد عدد الدول التي تخلت أو تسير على سكة التخلي عن الإجراءات الاحترازية، كان لافتاً تحذير مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس من أن إسقاط كل التدابير "أمر مبكر، فمن الخطير التصرف كأن متحوّر أوميكرون بات البديل من الوباء كورونا"، باعتبار أن "أوميكرون" انتشر بأعراض خفيفة دفعت إلى الاعتقاد بأن كوفيد- 19 تراجع لمصلحة المتحوّر، وأن الوباء أصبح أقرب إلى الإنفلونزا. 
واستنتجت المنظمة، في تقرير نشرته إثر اجتماع عقده مجلسها التنفيذي في 24 يناير/ كانون الثاني الماضي لدرس تطورات كوفيد- 19، بأن "توالي الأنباء عن تخفيف الإجراءات ورفع القيود يوفر ظروفاً مثالية لظهور مزيد من المتحوّرات، من هنا لم تنته اللعبة". 
ونبّه المجلس التنفيذي من سياسة "النهج قصير النظر" وما سماه "المقامرة على الفيروس"، الذي أكد أنه "لا يمكن التنبؤ بتطوره وزيادة إصاباته، ما قد يشكل عبئاً كبيراً على الأنظمة الصحية العالمية في المستقبل. وذكر غيبريسوس أنه "رغم الآمال في أن تنتهي المرحلة الحادة من الوباء في أقرب وقت في ظل توافر اللقاحات وتعزيز العلاجات وتوفير كميات أكبر من الأكسجين والأدوية المضادة، لكن التعايش مع كوفيد- 19 لا يعني منح الفيروس وسيلة مجانية للانتشار". أما مبعوث منظمة الصحة العالمية الخاص بكورونا الدكتور ديفيد نابارو فشدد في يناير/ كانون الثاني الماضي على أنه "يجب التعامل مع فيروس كورونا كأنه مليء بالمفاجآت السيئة والماكرة". 

وتشير أرقام جامعة "جونز هوبكنز" الأميركية إلى أن نحو 70 مليون شخص أصيبوا بفيروس كورونا في يناير/ كانون الثاني الماضي، والذين أضيفوا إلى نحو 359 مليون إصابة عالمية منذ انتشار الفيروس في شكل أكيد مطلع عام 2020، بعد أسابيع من انتشاره في الصين في ديسمبر/ كانون الأول 2019.

المساهمون