أعلن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا ترشيح الشابة نيسا ألبتكين على قوائمه للانتخابات البرلمانية عن مدينة إزمير، لتكون أصغر المرشحين سناً، إذ لا يزيد عمرها عن 18 سنة، ونقلت وسائل إعلام محلية عن الشابة التي تدرس بجامعة أتاتورك، والتي انتسبت إلى الحزب الحاكم أخيراً، قولها: "أنا أكثر تفاؤلاً بالمستقبل، ولدي أفكار كبيرة للشباب، خاصةً في ما يتعلق بالتكنولوجيا، وأريد أن يركز الشباب على السياسة، وسأقدم دعماً خاصاً للمراكز الثقافية والمناسبات الوطنية".
كما أعلن الحزب ترشيح عائشة غل بيتشار عن ولاية ديار بكر (جنوب)، وهي واحدة من الأمهات اللواتي اعتصمن أمام مقر حزب الشعوب الديمقراطي للمطالبة باسترداد أولادهن من تنظيم "PKK" الذي تصنفه تركيا "تنظيما إرهابيا". وقد استعادت ابنها مصطفى من صفوف التنظيم في تموز/ يوليو 2021. لكن أبرز ما يراه المراقبون انفتاحاً من الحزب إسلامي التوجه، هو ترشيحه ملكة جمال تركيا لعام 2006 سيدا ساريباش.
رشح حزب الشعب الجمهوري شابة تركية محجبة لأول مرة في تاريخه
في المقابل، أعلن حزب الشعب الجمهوري المعارض ترشيح شابة محجبة لأول مرة في تاريخه، هي المحامية سفغي كلج (27 سنة)، والتي انضمت إلى صفوف الحزب قبل ثلاثة أعوام، وهي مرشحة عن المنطقة الأولى في إسطنبول. ويؤكد الحزب أنه علماني التوجه، لكنه ليس ضد حجاب المرأة، وأنه منفتح على الجميع، خاصة بعد تحالفه مع حزب" السعادة" إسلامي التوجه ضمن ما يسمى "الطاولة السداسية".
يقول المحلل التركي مسلم أويصال، لـ"العربي الجديد": "يبدو واضحاً أن التسابق الانتخابي على جذب النساء هي خطة تمارسها الأحزاب، إذ يتم التركيز على مرشحات كل حزب وتسويق أعمارهن وأعمالهن. حزب العدالة والتنمية يحاول الوصول إلى فوز كبير عبر مخاطبة الشباب والنساء كون شعبيته بينهم متراجعة، ومن المفارقات التي بدأت تظهر في ملصقات الانتخابات، اهتمام قادة الأحزاب بإظهار فتيات محجبات، في حين أن تركيا كانت قبل حكم حزب العدالة والتنمية، تمنع دخول المحجبات إلى الحرم الجامعي، وتمنعهن من ولوج قطاعات عديدة من بينها الجيش".
وبينت نتائج استطلاع مؤسسة الديمقراطية الاجتماعية (SODEV) حول تفضيلات تصويت المرأة في الانتخابات البرلمانية، أن 30 في المائة من النساء يرغبن في التصويت لحزب الشعب الجمهوري، بينما انخفض عدد الراغبات في التصويت لحزب العدالة والتنمية إلى 26.6 في المائة، وأنّ 7.8 في المائة من اللواتي صوتن لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية عام 2018 تحوّلن إلى حزب الشعب الجمهوري.
وتؤكد الأكاديمية التركية عائشة نور، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك توجها عاما منذ دورتين سابقتين يدعم زيادة تمثيل المرأة في البرلمان، ومنحها أدواراً سياسية عبر الوزارات والتمثيل الدبلوماسي، لأنه فضلاً عن كون قانون الأحزاب يفرض تمثيل النساء، فإن هناك رغبة من النساء بالمشاركة في العمل السياسي والحزبي. أنا عضو في العدالة والتنمية، والحزب يسعى كل مرة إلى ترشيح امرأة مقابل كل ثلاثة رجال، وهناك نائبات لرئيس الحزب، وسيدات يترأسن فروعاً للحزب، ولجاناً داخله".
ينافس حزب العدالة والتنمية التركي بأصغر المرشحات سناً وملكة جمال سابقة
تضيف عائشة نور: "ليست المرة الأولى التي يجري فيها ترشيح شابات صغيرات. في انتخابات البرلمان عام 2008، رشح حزب العدالة والتنمية الطالبة الجامعية رميساء كاداك، وكان عمرها 22 سنة، ثم رشح الحزب في انتخابات 2018، الشابة أليف نور بيرام، وكان عمرها حينها 18 سنة، وتعد أصغر مرشّحة في تاريخ تركيا، وجرى ذلك بعد الإصلاحات الدستورية التي تمت المصادقة عليها في عام 2017، ويتكرر الأمر حالياً مع ترشح نيسا ألبتكين".
وارتفع عدد النساء في البرلمان التركي المنتخب في 2018 إلى 103 نائبات، وبنسبة نحو 17 في المائة، وكان عدد المرشحات 904، ما يعادل 21 في المائة من إجمالي عدد مرشحي الأحزاب العشرة التي خاضت الانتخابات.
ويرى المقرب من حزب الشعب الجمهوري شوكت أقصوي أن "حزب العدالة والتنمية عبر سنوات حكمه العشرين، لم يول الشباب ولا النساء الاهتمام الكافي، ما جعله يخسر معظم أصوات هاتين الفئتين، فحقوق المرأة ليست مقصورة على الحجاب أو حرية اللباس، كما أن انسحاب تركيا في يوليو/ تموز 2021 من اتفاقية إسطنبول الدولية لمنع العنف ضد المرأة وسع من معارضة النساء اللاتي لم تقنعهن تبريرات أن الاتفاقية تروّج للمثلية".
يضيف أقصوي متحدثا لـ"العربي الجديد": "الحزب الحاكم لم يأخذ مطالب الشباب أيضاً في الحسبان، ووفق استطلاع أجراه مركز ORC للأبحاث، على الشباب دون 25 سنة، كانت النتائج 21.7 في المائة لحزب الشعب المعارض، و17.4 في المائة لحزب الجيد المعارض، في حين لم يحصل الحزب الحاكم سوى على 13.1 في المائة من أصوات الشباب المستطلعة آراؤهم، كما لم تزد نسبة المصوتين لحزب الحركة القومية المتحالف مع العدالة والتنمية عن 7.4 في المائة. الشباب التركي يعاني من تنامي الفقر وتراجع مستوى المعيشة وارتفاع التضخم خلال السنوات الأخيرة، وما يتم إقناع كبار السن به، من تطور الصناعة واستقلال القرار، لا يعني الشباب الذي يبحث عن الرفاهية والحرية".
ويقول رئيس مؤسسة الديمقراطية الاجتماعية راسم سيسمان إنّ دراسة استقصائية وجدت أن 68.7 في المائة فقط من النساء اللواتي صوّتن للحزب الحاكم في انتخابات 2018، من المرجح أن يصوّتوا للحزب مرة أخرى، وإن النسبة الباقية ستذهب 7.8 في المائة منها إلى حزب الشعب الجمهوري الذي يعمل بنشاط على استمالة النساء المحافظات، و2 في المائة إلى حزب "الجيد" القومي، وهو أحد الأحزاب التي تقودها امرأة.
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة "ALF" في يناير/ كانون الثاني الماضي، أنّ حزب العدالة والتنمية الذي كان عادة الأعلى بين الناخبات، أصبح ثانياً بنسبة 26.5 في المائة بعد حزب الشعب الجمهوري بنسبة 29.2 في المائة. ووفق الاستطلاع، فإن النساء المحافظات عادةً ما يكن بعيدات عن تشكيل كتلة انتخابية متجانسة، وفي حين اعتبرت كثيرات منهن قبل 20 عاماً أنّ حزب العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الذي يعكس قيمهن، تشير التقديرات إلى حدوث تحوّل منذ عام 2018، وبشكل أكثر حدة بعد عام 2020.
وفي الدورات السابقة، تمكّن "العدالة والتنمية" من إيصال 52 امرأة إلى البرلمان من بين 295 نائباً له، مع خمس نساء من بين 49 نائباً لحزب الحركة القومية المتحالف معه، في حين لم يزد عدد النساء اللائي أوصلهن أكبر أحزاب المعارضة "الشعب الجمهوري" عن 18 امرأة من بين 168 نائباً.
ويرى مراقبون أن الحزب الحاكم سبق المنافسين في ترشيح النساء وذوي الاحتياجات الخاصة والشباب، بعدما طبق قاعدة إبعاد البرلمانيين بعد ثلاث دورات من دون استثناء، وطبق ذلك على مقربين من قيادة الحزب، كوزير الصحة فخر الدين قوجا، ووزير الثقافة والسياحة محمد نوري أرصوي.
وعدد مرشحي الحزب الحاكم من الذكور 487، في مقابل 113 من الإناث، واثنان من المرشحين عمراهما أقل من 20 سنة، و23 مرشح تراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة، وعدد المرشحين الذين تفوق أعمارهم الستين 40 مرشحاً.
وتعقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية في 14 مايو/ أيار المقبل، ويصفها مراقبون بأنها الأكثر تنافسية، إذ يتنافس فيها، بحسب الهيئة العليا للانتخابات، 26 حزباً على 600 مقعد، بينما عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت يتجاوز 64 مليوناً، يصوتون في 190 ألفاً و736 صندوقاً انتخابياً، ومن بينهم قرابة 61 مليوناً في داخل تركيا والباقون يصوتون من خارج البلاد.
ويعول مراقبون على زيادة تمثيل المرأة في البرلمان المقبل، نظراً لزيادة عدد مقاعد البرلمان من 500 إلى 600 مقعد، فضلاً عن كون المجتمع التركي غير ذكوري بطبيعته، فثمّة رئيسة وزراء سابقة هي تانسو تشيلر من 1993 إلى 1996، ورئيسة حزب حالية هي ميرال أكشنر، كما لا تخلو الحكومات منذ سنوات من العنصر النسائي.
وفي 1934، حصلت المرأة التركية على حق التصويت والعضوية في البرلمان، ليتم في العام التالي انتخاب 18 امرأة في البرلمان، ومنذ ذلك الحين استمر عدد النساء الناشطات في الحياة السياسية في النمو. وزاد عدد سكان تركيا خلال العام الماضي بنحو 1.9 مليون فرد، ليتجاوز 86 مليون نسمة، وكشفت هيئة الإحصاء التركية أن أعداد الإناث تتجاوز الذكور، إذ بلغ عدد الإناث 43.2 مليوناً، في مقابل 42.9 مليوناً من الذكور.