يتمسّك مواطنو قطر بالتخييم ويعمدون إليه سنوياً في فصلَي الشتاء والربيع، فيخرجون بالتالي من ضيق الجدران إلى الفضاءات المفتوحة، وينصبون مخيماتهم في الصحاري أو على الشواطئ، وذلك ارتباطاً بالموروث الشعبي القطري الذي ارتبط قديماً بالبرّ والبحر على حدّ سواء.
ويمكن لزائر أيّ من مناطق التخييم من شمال قطر إلى جنوبها أن يرى الخيام وبيوت الشعر التي كانت الوسيلة الرئيسة في الماضي للتخييم، إلى جانب العربات والبيوت المتنقلة والمجهّزة بمختلف وسائل الراحة التي تروج اليوم، علماً أنّ الدولة عمدت إلى تجهيز المرافق في تلك الأماكن، الأمر الذي يجعلها آمنة وهانئة للجميع.
عندما تتوجّه إلى الصحراء، تراها مكتنزة بالجمال الأخّاذ، خصوصاً في الشتاء والربيع، وتبدو الخيام منتشرة هنا وهناك، في حين يمرح المواطنون المخيّمون بمختلف وسائل الترفيه من قبيل السيارات والدراجات النارية "البطابط" وغيرهما.
وحول أهمية التخييم، يقول مدير مكتب محميات الدولة الخارجية التابع لوزارة البيئة والتغيّر المناخي القطرية محمد بن نهار النعيمي، لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إنّ التخييم في المجتمع القطري عادة قديمة ارتبطت بطبيعة الحياة، إذ يخرج كثيرون إلى الصحراء للاستمتاع بأجوائها الخلابة. ويشير إلى أنّه مع تزايد الأعداد المقبلة على التخييم، كان التدخّل التنظيمي من الدولة، ممثلة بوزارة البيئة، من خلال العمل على توفير موسم تخييم صحي للجميع على مختلف المستويات، من خلال توفير المرافق التي تحقق متطلبات التخييم.
أمّا عن دور المحميات الخارجية في تحقيق موسم تخييم ناجح مرتبط بالتراث القطري، فيشرح النعيمي أنّ محمية الجنوب تُعَدّ بيئة آمنة متكاملة بكلّ مواردها التي يمارس فيها محبّو المقناص والرحلات هوايتهم المفضلة، بالإضافة إلى تعزيز هواية المقناص لدى الشباب كجزء من الهويّة القطرية ومن أهم هوايات أهل قطر. وفي إطار سعي المحمية إلى الحفاظ على الحياة الفطرية، تطلق طرائد صيد من إنتاج مزارع قطرية ومرقّمة تحت معاينة إدارة المحمية، ويأتي ذلك تعويضاً عن الطرائد الطبيعية، نظراً إلى ندرتها في البيئة القطرية وحفاظاً عليها ولإتاحة المجال لتزايدها.
من جهتها، تشير المستشارة الثقافية في المؤسسة العامة للحيّ الثقافي "كتارا" سلمى النعيمي إلى أنّ التخييم من الموروث الشعبي في قطر، وحالياً هو استمرار للعادات القطرية القديمة، عندما كان القطريون يخرجون إلى البرّ في أوقات الشتاء بحلالهم، علماً أنّ الخروج إلى البرّ لم يكن للاستمتاع فقط، بل لممارسة الحياة من صيد وبحث عن نبات للحلال، ويُقصد به المواشي من إبل وأغنام، وبالتالي يأتي التخييم اليوم كحنين للماضي وإحياء لهذا الموروث.
وتوضح النعيمي أنّ التخييم كلمة جديدة، وهذا الفعل كان يُسمّى قديماً النزوح إلى البرّ. فالمجتمع ينتقل بكامل أفراده من حياة البحر بعد موسم صيد اللؤلؤ إلى حياة البادية بكلّ ما فيها من تفاصيل، فالحياة البرية كانت جزءاً من العيش قبل كثرة العمران والازدحام الذي يجعل الناس يفكّرون في العودة إلى أحضان الطبيعة.
كريم، واحد من المواطنين مريدي المخيّمات، يقول إنّ المخيّم فرصة لتلاقي الجيران والأهل والأصدقاء، وهو يُقام حالياً في خيام حديثة ومجهّزة بخلاف السابق عندما كان الاعتماد على بيوت الشعر والسدو وغيرهما. يضيف أنّ الخيمة الرئيسية الحالية مجهّزة بمختلف الأدوات من تلفزيون وأجهزة حديثة، ما يؤدّي إلى تنوّع في أنشطة المخيّمين الذين يلتفّون حول "شبّة الضو" في الشتاء ويعقدون مجالسهم. و"شبّة الضو" أو شبّة النار تقضي بإشعال الحطب، وهي عادة معروفة منذ القدم كرمز للكرم والسخاء عند العرب.
وفي مواسم التخييم، تنظّم فعاليات تراثية وترفيهية، من قبيل "مهرجان مرمي الدولي للصقور والصيد" الذي يتضمّن بطولات ومسابقات دولية ومحلية، من بينها بطولة "إصفري" وبطولة "جمعية القناص" وبطولة "اليوم الوطني للصقور" وبطولة "جمعية القناص الدولية لمسابقة السلوقي"، بالإضافة إلى "معزاب القناص الصغير" المخصّص للصقار الواعد والصغير.
كذلك، تأتي "بطولة القلايل للصيد التقليدي" التي تُعَدّ واحدة من أهم البطولات وأكثرها إثارة وتشويقاً، ولها بصمة مميّزة في تاريخ البطولات التراثية على مستوى دول الخليج العربي، والتي تعكس مهارة القناص القطري في طرق الصيد التقليدية الموروثة والمعروفة في الثقافة العربية والقطرية خصوصاً.
في سياق متصل، ينظم "مركز أصدقاء البيئة" حملات توعية لتنظيف البرّ والروض والسواحل، وكذلك زيارة بعض المخيمات للإسهام في رفع الوعي بضرورة المحافظة على البيئة القطرية.
وحرصاً على راحة وسلامة المخيّمين، تتّخذ الجهات الحكومية تدابير وإجراءات لضمان الحفاظ على البيئة القطرية، وحصول المخيّمين على موسم مثالي. من بين تلك الإجراءات إنشاء عيادة طبية ونقطة إسعاف تعملان على مدار الساعة وتتوفّر فيهما كلّ التجهيزات والأدوية لعلاج الحالات الطارئة، وإلى جانبهما مهبط لطائرات الإسعاف بهدف استقبال المراجعين من المخيّمين ومرتادي الأمكنة.
وتحظى قطر بسواحل تمتدّ 563 كيلومتراً، وتضمّ شواطئ عديدة، الأمر الذي يوفّر فضاءً رحباً لاختيار مناطق التخييم. ومن أبرز تلك الشواطئ "شاطئ سيلين" على الساحل الشرقي الواقع جنوبي مدينة مسيعيد، وهو يتكوّن من كثبان رملية ممتدّة على مساحات شاسعة. ويجذب هذا الشاطئ برماله ومياه بحره آلاف السيّاح سنوياً، وهو يُعَدّ كذلك مكاناً آمناً لممارسة رياضة "التطعيس" بين الشباب. وهذه الرياضة لمن لا يعرف طبيعتها، تقوم على قيادة مركبات على طرقات ومسارات غير معبّدة، من قبيل الرمال وأحواض الأنهر ومساحات الحصى والطين والثلوج والصخور والتضاريس الطبيعية المختلفة.
ونظراً إلى أهمية دور موسم التخييم في تعزيز السياحة الداخلية واستقطاب السيّاح والزائرين، فقد أولت قطر اهتماماً خاصاً بالنشاطات السياحية ذات الصبغة التقليدية والثقافية والتراثية، إذ وضعت لذلك خططاً ومشاريع تهدف إلى خلق صناعة سياحية تمزج ما بين الحداثة والحفاظ على الأصالة والهوية، مستفيدة من إرثها التاريخي والحضاري.