التحرّش بالسياسيات... قلق على مستقبل الديمقراطية في الدنمارك

09 مايو 2023
يبدي باحثون في المشاركة الديمقراطية قلقهم من تزايد التحرّش (العربي الجديد)
+ الخط -

أظهر تقرير بحثي حديث نشره المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان تعرض مزيد من المرشحين والسياسيين المنتخبين لمضايقات، واستهداف النساء من أولئك تحديداً بتحرّش جنسي وصفه معدو التقرير بأنه "خطير، خصوصاً أن الأرقام تكشف أن 28 في المائة من السياسيات تحت سن الأربعين واجهن مضايقات وحالات تحرّش جنسي أكثر بثلاث مرات من نظرائهن الذكور".
وأورد تقرير المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان أيضاً أن 75 في المائة من إجمالي المرشحين (الذكور والإناث) واجهوا مضايقات وتهديدات، ما شكل ارتفاعاً أكثر بثلاث نقاط من انتخابات 2019. وأوضح أن 28 في المائة من المرشحات تعرضن لتحرّش جنسي، علماً أن باحثين يعتقدون بأن هذه النسبة أعلى باعتبار أن 27 في المائة فقط من مجموع المرشحين، وهم آلاف تنافسوا على 179 مقعداً برلمانياً، استجابوا للتقرير البحثي. 
ورصد القيمون على التقرير البحثي أن المضايقات الأخرى شملت حصول تواصل غير مرغوب، وإطلاق تهديدات، ونشر تعليقات قللت من قيمة المستهدفين، وإطلاق صراخ ضد مرشحين، وتخريب ممتلكاتهم.

ويبدي باحثون في المشاركة الديمقراطية قلقهم من تزايد التحرّش باعتباره يؤثر في رغبة النساء بالترشح للانتخابات البرلمانية والمحلية. ويعترف كبير الباحثين في المركز القومي للبحوث وتحليل الرعاية الاجتماعية في كوبنهاغن، راسموس بيدرسن، بأن "التحرّش الجنسي يعرقل محاولات تكريس المساواة في المشاركة السياسية التي يحافظ الرجال على نسبتها الأكبر".
وليست مشكلة تعرض السياسيات في الدنمارك لمضايقات جديدة، إذ تناقل كثيرون في السنوات الأخيرة أخباراً عن تلقيهن تهديدات مباشرة أحياناً، مع تعمّد تجاهل كون بعضهن أعضاء في البرلمان. وكان لافتاً في بعض هذه الحوادث ارتباطها بأشخاص ذوي مواقف متطرفة من السياسيات، مع عدم التردد في إطلاق تهديدات جنسية مثل الاغتصاب، والمس بالأسرة.

رغم التقدم في الحقوق الممنوحة تعاني دنماركيات من العنف (العربي الجديد)
رغم التقدم في الحقوق الممنوحة تعاني دنماركيات من العنف (العربي الجديد)

أنماط مهينة
وما يثير قلق المجتمع الدنماركي في التقرير البحثي الجديد أن نمط استهداف النساء المنخرطات في الحياة العامة بات أكثر انتشاراً. وتحدثت مرشحات للانتخابات البرلمانية والبلدية التي أجريت خريف 2022 بكثير من القسوة عن تعرضهن لمضايقات وتحرش لفظي وفعلي. وأشارت بعضهن إلى أنهن تلقين في الحملات الانتخابية تعليقات جنسية مهينة من شبان من المارة تناول بعضها مظهرهن وجمالهن، واعتبرت أخرى أن مكانهن المنزل.
وتتالت الشهادات حول تعرض السياسيات والمرشحات لمضايقات قبل أن يصدر تقرير المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان الذي أكد أن الفارق بين المرشحين الذكور والإناث واضح في هذه المضايقات، وأن التعليقات تحمل تحيّزاً جنسياً يتعلق بمظهر النساء وجنسهن في شكل رئيسي.
وعلّقت مديرة المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان، لويزا هولك، على السجال الدائر، بالقول إن "التحرّش الجنسي أكبر من باقي مظاهر التحرش والمضايقات التي تتعرض لها النساء". وأكدت أن "النساء يعترفن بأن تأثير التحرّش الجنسي سلبي جداً عليهن مقارنة بمضايقات تتعلق بأشياء أخرى، مثل الاتجاه السياسي".
ومع احتدام النقاش حول المهاجرين واللاجئين تعرضت سياسيات من أحزاب يسار ويسار الوسط لمضايقات وتهديدات، وبعضها عبر كلمات نابية شككت في وطنية والأصول العرقية لبعضهن، كما وُجهت اتهامات إليهن بأنهن "عشيقات الغرباء"، وألفاظ أخرى. وأظهرت استطلاعات لآراء المرشحين في الانتخابات السابقة أن مؤشرات التحرّش باتت تتجاوز بعض المواقف الشعبوية والمتطرفة في شأن المواقف من التمييز والعنصرية.  
وهكذا تواجه الدنمارك التي اعتبرت بين أكثر دول أوروباً تقدماً على صعيد المشاركة السياسية للنساء، ورفعت لواء المساواة بين الجنسين من خلال برامج طموحة، حالياً ظاهرة انتشار ما تصفه هولك بأنه "تحرّش جنسي عابر لحدود الإناث، مثل اقتراب شخص منهن، وإطلاق مواقف جنسية، علماً أن بعض المرشحات أبدين صدمتهن من مطالب بعض الناخبين".
ولا تنحصر النتائج السلبية لهذه المشكلة بمن يتعرضن لتحرّش، فهي مشكلة ديمقراطية حقيقية على المستوى الوطني لأن تأثير التحرّش الجنسي والتهديدات يجعل السياسيات أكثر حذراً في تصريحاتهن، وكذلك في رغبتهن في أن يكن جزءاً من الديمقراطية السياسية. وخلال السنوات الماضية اختارت بعض البرلمانيات أخذ استراحة مرضية بعدما جعلتهن المضايقات اللفظية المتصاعدة في حال توتر وقلق، علماً أن بعض هذه المضايقات بلغت أحياناً حدّ تهديد أشخاص سياسيات من اليسار بأنهم يوشكون على الوصول إلى مقار مساكن أعضاء البرلمان، ما حتم تدخل الشرطة لملاحقة بعض مطلقي هذه التهديدات.

شكلت رئيسة الحكومة السابقة هيلي تورنينغ شميت نموذجاً نسوياً غير مسبوق (العربي الجديد)
شكلت رئيسة الحكومة السابقة هيلي تورنينغ شميت نموذجاً نسوياً غير مسبوق (العربي الجديد)

ضوء تحذير
وأكد التقرير الأخير للمعهد الدنماركي لحقوق الإنسان تناقص التمثيل السياسي للنساء، في وقت يعتبر باحثون في الديمقراطية أن "التحرّش القاسي بالنساء يتسبب في تراجع انضمام مزيد منهن إلى قوائم الأحزاب، ما يدفع كثيرات إلى الخروج من السياسة، ويجلب بالتالي عواقب سلبية للديمقراطية في الدنمارك". 
وكانت كوبنهاغن احتفلت عام 2015 بالذكرى المئوية الأولى لمنح المرأة حق التصويت في تعديلات دستورية أقرّت عام 1915، وترسيخ حق المرأة في الحكم في دستور 1953، ما سمح لاحقاً للملكة مارغريتا الثانية بأن تخلف والدها فريدريك التاسع على العرش عام 1972.
وفي مارس/ آذار الماضي، كشفت دراسة أجراها مركز ولي العهد فريدريك للإدارة العامة في جامعة آرهوس (وسط) أن 64 في المائة من السياسيين في مجالس البلديات يتعرضون لمضايقات على وسائل التواصل الاجتماعي، و51 في المائة خارج وسائل التواصل الاجتماعي. 
أيضاً أشارت دراسة أجريت عام 2017 إلى أن أربعة من كل عشرة سياسيين محليين تعرضوا لانتهاكات ومضايقات تتعلق بمواقعهم وعملهم.
واعتبر المدير العام للجمعية الوطنية للبلديات، كريستيان فيندلبو، أن ما يجري "مؤشر خطير يجب أن يشكل ضوء تحذير إلى إمكان أن تتجمّد ديمقراطيتنا وتسقط إذا اختارت نساء إضافيات عدم المشاركة في السياسة". 
ومع اتساع حوادث التحرش بالنساء ومضايقاتهن التي يحصل بعضها من خلال استهدافهن مباشرة أو عبر تخريب ممتلكاتهن وتوتير العلاقات الأسرية الخاصة ببعضهن، يعتقد البعض بأن تغيير أساليب النقاشات الاجتماعية في الفضاء العام يتطلب مشاركة الجميع في الجهود المبذولة، "لأن التغيير لا يحصل بين عشية وضحاها"، كما يقول فيندلبو. وما يقلق المراقبين من انتشار الظاهرة أنها تتسبب في أعباء نفسية وتعب سياسي ينتهي بالانسحاب من المشاركة الديمقراطية.

دعوة إلى "صحوة اجتماعية"
وفي كل الأحوال، تطلق الشهادات الصادمة لشابات، بعضهن في بداية مسيرتهن السياسية انضممن إلى قوائم الأحزاب، نقاشات غاضبة، وتدفع المحللين إلى المطالبة بتدخل رادع من خلال تشديد القوانين وملاحقة المتحرّشين. ويعتبر آخرون أن الأمر يتطلب "صحوة اجتماعية" في شأن مخاطر التحرّش على مستقبل الديمقراطية في الدنمارك، علماً أنه يمكن ملاحظة تردد المسؤولين والعاملين في الشأن العام في الظهور إعلامياً أو الإدلاء بتصريحات في قضايا جدلية، بحسب ما ينقل المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان عن سياسيات ومرشحات تعرضن لمضايقات وتحرش.
يذكر أن ظاهرة استهداف السياسيات ليست محصورة إسكندنافياً بالدنمارك، إذ يرصدها خبراء ومحللون على نطاق واسع في السويد حيث تعرضت نساء إلى اعتداءات أدت أحدها إلى مقتل وزيرة الخارجية السويدية السابقة آنا ليند في 10 سبتمبر/ أيلول 2003، علماً أن الشرطة السويدية أحبطت العام الماضي محاولة لاغتيال سياسية في ظل تزايد التراشق الذي يترافق مع أشكال متعددة من التطرف ضد النساء. 
وكانت هيلي تورنينغ شميت من الحزب الاجتماعي الديمقراطي قدمت نموذجاً نسوياً غير مسبوق في تاريخ الدنمارك، حين قادت أول حكومة ترأسها امرأة بين عامي 2011 و2015. ثم كررت زميلتها في الحزب ذاته مته فريدريكسن التجربة منذ عام 2019 وحتى اليوم.

المساهمون