استمع إلى الملخص
- إحصاءات تشير إلى أن 79% من المغاربة يرون التحرش منتشراً في الشوارع و65% في أماكن العمل، مع تعرض 372 ألف امرأة لتحرش جنسي في الأماكن العامة. القانون المغربي يفرض عقوبات على مرتكبي التحرش.
- رغم وجود قوانين، يظل تطبيقها محدوداً. الناشطون يؤكدون على ضرورة تعزيز التوعية والتنشئة الاجتماعية للشباب، وتحسين التشريعات وتوفير إمكانات للمجتمع المدني لنشر الوعي بحقوق المرأة.
عاد شبح التحرش الجنسي ليلقي بظلاله الثقيلة على وضع نساء المغرب، بعد صدمة مقطع فيديو يُوثّق تعرض فتاة لتحرش جماعي في أحد شوارع مدينة طنجة (شمال)، نهاية الأسبوع الماضي.
وظهرت في مقطع الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب فتاة وهي ترتدي ملابس قصيرة، تتعرض للتحرش في الطريق العام وأمام الملأ على يد مجموعة من الشباب، حيث تعمدوا نزع ملابسها بالقوة وملامسة أجزاء من جسدها. وبينما أثار الفيديو الذي وثّق الواقعة الصادمة استياء وغضب الجمعيات النسائية والحقوقية ورواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين دشنوا حملة تطالب بحماية النساء والفتيات في الأماكن العامة. تؤكد الواقعة أن معاناة المغربيات مع التحرش لا تنتهي، وأن عددا من الفضاءات والأمكنة لم تعد مكانا آمنا لهن.
التحرش الجنسي في الشوارع وخلال العمل
تقول المديرة العامة لجمعية "التحدي للمساواة والمواطنة" بشرى عبده، إنه من خلال العمل اليومي الذي تقوم به جمعيتها مع نساء وفتيات من مختلف مناطق المغرب، يمكن التأكيد أن العنف ضد النساء بمختلف أشكاله وتجلياته، مستمر رغم السياسات العمومية المحدثة.
وتوضح عبده، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التعنيف والتحرش ومحاولة هتك عرض شابة في طنجة، من قبل قاصرين وراشدين هو نتيجة مباشرة لغياب سياسات عمومية فعلية تحمي النساء والفتيات، لافتة إلى أن هذا العنف لا تترجمه فقط حادثة طنجة التي تيسر للضحية وسيلة الإثبات في سياقها، وسَهُل التعرف إلى المتهمين من خلالها، وإنما الآلاف من جرائم التحرش ومحاولات هتك العرض بالفضاء العام وبفضاءات العمل الخاصة وداخل منصات ووسائط التواصل الاجتماعي، وهي الجرائم التي يستحيل على ضحاياه الإثبات الملقى أصلا على عاتقهن مما يقوض ويحد من سبل إنصافهن قضائيا.
وتأتي حادثة التحرش التي أثارت موجة غضب عارمة في أوساط الجمعيات الحقوقية والنسائية، أسابيع قليلة بعد كشف استطلاع للرأي أجراه "الباروميتر العربي" للبحوث بالتعاون مع المعهد المغربي لتحليل السياسات، ونشر نتائجه في السابع من يونيو /حزيران الجاري، أن 79% من المغاربة يعتبرون أن التحرش الجنسي ينتشر في الشارع، و65% منهم أنه ينتشر في أوساط العمل.
وبحسب أرقام وإحصاءات أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط في المغرب (مؤسسة حكومية تعنى بالإحصاء) عام 2019، تعرضت 372 ألف امرأة لتحرش جنسي في الأماكن العمومية، و32 ألف امرأة لعنف جنسي في الوسط المهني، خاصة في القطاع الخاص بنسبة 3.8%، و15 ألف تلميذة أو طالبة لتحرش جنسي في مؤسسات التكوين والتعليم.
ويعرف القانون المغربي مرتكب جريمة التحرش الجنسي بأنه "كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية لأغراض جنسية، أو بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية".
وينص قانون مكافحة العنف ضد النساء وتوسيع دائرة تجريم التحرش الجنسي في المغرب على فرض عقوبة سجن تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر، أو دفع غرامة تتراوح بين 200 درهم (20 دولاراً) و10 آلاف درهم (ألف دولار)، أو كليهما معاً ضد كل من يمعن في مضايقة الغير في أماكن عامة أو خاصة بأقوال وإشارات وأفعال ذات إيحاءات جنسية تهدف إلى تحقيق أغراض جنسية، أو عبر توجيه رسائل مكتوبة وإلكترونية، أو عبر اتصالات هاتفية وتسجيلات وصور ذات طبيعة جنسية.
وقد تبلغ عقوبة السجن بين ثلاث سنوات أو خمس سنوات، مع دفع غرامة تتراوح من 5 آلاف إلى 50 ألف درهم (من 500 إلى 5000 دولار)، إذا ارتكب التحرش أحد الأصول أو المحارم، أو إذا امتلك المتحرش ولاية أو سلطة على الضحية، أو إذا كان مكلفا برعايتها، أو كفيلاً لها، أو إذا كانت الضحية قاصرا. وفضلا عن إقرار قانون يجرم العنف ضد المرأة، دخل حيز التنفيذ في 12 سبتمبر/ أيلول عام 2018، تراهن الحكومة المغربية على إطلاق حملات وطنية سنوية لوقف العنف ضد النساء تتضمن بث وصلات تلفزية وإذاعية، وتنظيم ندوات وطنية وجهوية، وأنشطة مختلفة.
وترى عبده أن "سن سياسات واستراتيجيات بعناوين حماية نساء المغرب من العنف، بقدر ما تؤكد على إرادة لدى الدولة اتجاه الحد من الظاهرة، إلا أن هذه الإرادة وفي غياب تدابير وإجراءات عملية، وموارد بشرية ومالية كفيلة بتنزيل هذه السياسات والبرامج تظل مجرد إعلان للنوايا".
وتتابع: "للأسف تقع المسؤولية على كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ما يقتضي توفر قوانين رادعة، وعدم التنازل عن الشكاوى بالتحرش الجنسي على اعتبار أن هذا الفعل الجرمي يتكرر باستمرار في مدن كثيرة ولا يأخذ مرتكبوه من القاصرين العبرة". وتوضح أن تعنيف القاصرين للنساء والفتيات، أصبح أمرا متكررا إلى درجة الاعتياد، وهو ما يدفعنا لتأكيد أهمية تعزيز مقاربة التحسيس والتوعية في صفوفهم داخل المدرسة وخارجها، مع أهمية تشديد المقاربة العقابية في حق ممارسي هذه الأفعال، نظرا لخطورتها وأضرارها الجسدية والنفسية المستمرة في الزمن بالنسبة للضحايا.
وتضيف: "نطالب في الجمعية بكل إلحاح الجهات المعنية، بسن تشريعات جنائية كفيلة بزجر الجناة في جرائم العنف والعنف الرقمي ضد المرأة، اعتبارا لمحدودية تطبيق مقتضيات القانون 103.13 المتعلق بالعنف ضد النساء والفتيات، الذي بلغ مداه، وأكدت تقارير رسمية محدوديته. وكذلك بإعمال تدابير تنظيمية عملية تكفل إمكانية، التقاط وتسجيل ما يقع بالشارع العام (من سلوكيات مشينة ومجرمة)، بما يسهل سبل الإثبات على النساء ضحايا جرائم العنف".
وبحسب المتحدثة ذاتها، فإن الجهات القضائية المعنية، وفي مقدمتها رئاسة النيابة العامة، مطالبة بإعمال صلاحياتها القانونية في متابعة مختلف المشتبه بهم في ارتكاب جرائم تتعلق بالمس بالمرأة بسبب جنسها، وكذا التسريع بمعالجة الشكايات الموضوعة من قبل النساء والفتيات في جرائم العنف الممارس ضدهن. دون إغفال ضرورة أن تساهم وسائل الإعلام الوطنية بالقدر الكافي في فتح النقاشات العمومية حول أوضاع النساء بالمغرب، ولا سيما حينما يتعلق الأمر بالانتهاكات الجسيمة لحقوقهن وكرامتهن.
من جهته، يرى الناشط الحقوقي بوبكر أونغير، في تصريح لـ"العربي الجديد "، أن جريمة التحرش بالنساء من الجرائم التي على القانون المغربي أن يبرزها ويشدد على معاقبة مرتكبيها متى توفرت عناصرها الجرمية وكل القرائن الدامغة على وقوعها لأنها ماسة بالكرامة ومهينة للنساء وتنم عن غياب وعي حقيقي بالآثار النفسية لمثل هذه الممارسات.
ويربط أونغير تنامي ظاهرة التحرش في المغرب بعاملين أساسيين: أولهما أن التحرش بات ممارسة شائعة طبّع معها المجتمع، وهو أمر في غاية السوء جراء اختزال المرأة في جسدها واستغلال بعض النصوص الدينية من أجل الإساءة إليها. وثانيهما: قصور التنشئة الاجتماعية للشباب المغربي وقلة درايته بحقوق الإنسان بكل معانيها وبحقوق المرأة بشكل خاص.
ويرى الناشط الحقوقي، أن على كل مؤسسات الدولة ان تلعب أدوارها كاملة في محاربة كل الظواهر الماسة بالكرامة الإنسانية كالتحرش والعنف الممارس ضد النساء عبر مداخل معينة، منها مدخل التحسيس والتوعية الذي يجب أن تقوم به المؤسسات التعليمية والأسرة والقيمين على الشؤون الدينية. فضلا عن مداخل قانونية عبر تجويد الترسانة التشريعية لتستجيب لمختلف التحديات الجديدة مع التطور الذي تعرفه الجرائم كما ونوعا التي تستهدف النساء خاصة مع استفحال التحرش الجنسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما يؤكد ضرورة أن تعطى للمجتمع المدني ولوسائل الإعلام إمكانات مادية مهمة من أجل لعب دورهم كاملا في نشر التربية على حقوق الإنسان، واقتراح مبادرات مدنية كفيلة بتوعية المجتمع.