لم يكن الطبيب رياض الرطل على يقين بأن حذاءه الذي سُرق من سياراته موجود على بعد أمتار من مكان سكنه. يقول الرطل، لـ"العربي الجديد": "طلب مني أحد الاصدقاء التوجه الى سوق الحرامية، والبحث عمّا افتقدته، وبالفعل وجدت في أحد المحال حذائي المسروق التي اشتريته بسعر مرتفع، وحين سالت التاجر عن مصدر الحذاء، قال: إنها من البضائع المستعملة، نستوردها من الدول الاجنبية". ويتابع الرطل: "دفعت وقتها 13 دولاراً ثمن الحذاء، بالرغم من أن سعره الحقيقي أكثر من 150 دولاراً".
سوق صبرا
يقع الشارع على بعد أمتار من سوق صبرا الشهير في المنطقة الغربية من بيروت. يعرفه السكان بسوق الحرامية، والزوار يطلقون عليه أسم سوق "الحميدية"، نسبة الى الشارع التجاري الأشهر في سورية، نظراً لوجود كل ما يحتاجه المواطن من سلع.
السوق هنا مكتظة بالمارة، يفترش مئات الباعة الأرض. البضائع المعروضة في السوق مختلفة، ويستطيع الزبون شراء كل ما يحتاجه، من "البابوج" (الحذاء) إلى "الطربوش"، حيث تختلف المقتنيات المعروضة أو "الغنائم" التي يتم بيعها.
لماذا سمي بسوق الحرامية؟ يجيب أبو أسعد، وهو يسكن في المنطقة منذ 56 عاماً، أن بعض التجار في هذه السوق يلجأون الى شراء مقتنيات، وبيعها إلى تجار صغار دون التحقق من أصلها، ثم يقوم الأخيرون بإعادة بيعها من جديد.
هذه المقتنيات، بحسب أبو أسعد، مصدرها أشخاص معروفون بسرقاتهم المتكررة، "حتى أن بعض السارقين يلجأ يوم الأحد، على سبيل المثال، إلى عرض بضائعه المسروقة في الشارع على مرأى من الجميع". يؤكد أبو أسعد أن "الجميع يعلم بأن هذه السوق تحتوي على مسروقات من البيوت والمحال التجارية، حتى أن بعض من يتعرض للسرقة يأتي إلى هذه السوق لاستعادة مقتنياته المسروقة، عبر شرائها مجدداً".
إلا أن أحد أصحاب المحال التجارية في السوق، مصطفى الآغا، يؤكد أن البضائع المعروضة يتم شراؤها من أماكن مختلفة بأسعار زهيدة كونها تدخل في إطار البضائع المستعملة، نافياً ما يشاع عن كون هذه البضائع مسروقة. ويلفت لـ"العربي الجديد"، إلى أن "البضائع المسروقة تباع على بعد أمتار، أي على الرصيف المجاور للطريق العام الذي يحاذي سوق صبرا، في مواجهة مركز السفارة الكويتية".
"بضائع مستعملة"
فعلياً، تشهد هذه السوق الممتدة على الطريق العام، نشاطاً كبيراً كل يوم أحد، حيث يفترش العديد من الشباب الشارع العام، عارضين بضائع مختلفة، يطلقون عليها اسم "بضائع مستعملة" أو "بالة"، إضافة الى أكثر من 20 محلاً، على امتداد السوق، يعرض خلالها التجار بضائع وثياب وأدوات كهربائية، وأجهزة حاسوب، تبدأ الأسعار من دولار واحد وتصل إلى 50 دولاراً... إلا أنه، وفق الآغا، فإن هذه البضائع مسروقة والعديد من منها يأتي من سورية بعد الحرب الأخيرة. أما بالنسبة إلى الأرباح التي يجنيها البائع يوم الأحد، فتصل إلى أكثر من 65 دولاراً، من دون أن يدفع إيجاراً أو أي رسوم جمركية أو ضرائب.
وبحسب الخبير الاقتصادي، سعيد عيسى، ظاهرة بيع المسروقات معروفة منذ أيام الحرب اللبنانية، حيث قامت مافيات الحروب بسرقة البيوت والمحال التجارية، وبيعها في أسواق مختلفة في العاصمة. ويقول لـ"العربي الجديد": "يشكل بيع المسروقات أو الغنائم، كما يحلو للبعض تسميتها، مصدر رزق للعديد من التجار، فتجارة المسروقات من الأكثر رواجاً والأكثر ربحاً، واللافت أن السارق لا يقوم ببيع مسروقاته بمفرده، بل يلجأ إلى شبكة من التجار، تقوم بشرائها منه بثمن بخس، ومن ثم إعادة بيعها، محققين بذلك أرباحاً طائلة".
ويشير عيسى إلى أن الخسائر الاقتصادية جراء تجارة المسروقات تعتبر كبيرة، كونها تشرع عمليات السرقة من جهة، كما أنها تساعد على انتشار الآفات الاجتماعية الخطيرة، فالسارق لا يكتفي بالسرقة، بل يعمد الى القتل أو الاتجار بالمخدرات.
من سورية إلى لبنان
وفق الخبير في شؤون التنمية والاجتماع، الدكتور ساري الحنفي، فإن ظاهرة الاتجار بالمسروقات تنتشر في مناطق الصراعات، إلا أن اللافت هو انتشار هذه الظاهرة في ظل انتشار القوانين والتشريعات في لبنان، وأمام مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية. ويقول لـ"العربي الجديد": "تعد الخسائر من جراء هذه التجارة كبيرة، كونها تضرب عرض الحائط هامش الأسعار، خاصة بالنسبة للأدوات التكنولوجية، كما لا يدفع السارقون الضرائب ولا يحركون الاقتصاد النظامي ولا سوق العمل". من جهة أخرى، يؤكد عدد من سكان البقاع في لبنان أن "أسواق الحرامية" موجودة لديهم أيضاً، وقد تعززت مع بدء الحرب في سورية، حيث تباع المقتنيات المسروقة من بيوت السوريين في لبنان، وبأسعار زهيدة.
إقرأ أيضا: وزير التخطيط المصري أشرف العربي:قرض صندوق النقد للبرلمان الجديد