أقرّ البرلمان العراقي، اليوم الخميس، بوجود "أجندات"، سياسية وإقليمية، تمنع عودة النازحين إلى مناطق سكناهم الأصلية، معتبرا أن عوامل سياسية تحول دون حسم الحكومة الملف، رغم قدرتها على ذلك، الأمر الذي فاقم من معاناة هذه الفئة.
والأحد الماضي، أكد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد وجود قرابة 600 ألف نازح يعيشون أوضاعاً صعبة للغاية في العراق حتى الآن، من دون التطرق إلى آليات إرجاعهم إلى مناطقهم أو الحديث عن سيطرة الفصائل المسلحة والمليشيات الموالية لإيران على بلدات مفرغة من سكناها.
واليوم الخميس، قال رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي شريف سليمان: "الجهات الحكومية لم تتخذ خطوات جادة لإعادة النازحين في المخيمات إلى مناطق سكناهم الأصلية في المناطق الغربية وأطراف بغداد ومناطق غرب الموصل، وتحديداً في قضاء سنجار، إذ يعود ذلك لأسباب أمنية وقانونية سياسية بحتة"، مبينا في تصريحات، أوردتها صحيفة الصباح الرسمية، أن "الملف أصبح يمثل ورقة إنسانية وسياسية بين الاستراتيجيات الدولية، ويتطلب تدخلاً حكومياً فورياً لحل مشكلة العودة".
وأكد أن "مسألة عودة النازحين إلى قضاء سنجار بالتحديد أصبحت ورقة سياسية عامة تتنقل بين الأجندات السياسية والإقليمية، وفي حال عدم اتخاذ خطوات جدية وسريعة، فستتفاقم مشكلة عودتهم بشكل أكثر"، مشيرا إلى أن "عدد النازحين من قضاء سنجار يتجاوز 300 ألف نازح، فيما يتراوح العدد الكلي من قضاء سنجار ومناطق كركوك بين 800 ألف ومليون نازح، يقيم قسم منهم في مخيمات الإقليم وهم من المكون الإيزيدي، في حين يقطن آخرون خارج المخيمات".
وأضاف أن "هناك مشكلات تخص عودة النازحين من أهالي كركوك تتطلب توثيقات أمنية لكل أسرة تمهيداً لعودتها، حيث لم تتخذ هذه الإجراءات لغاية الآن، ما زاد العبء والضغط النفسي والاقتصادي على النازحين الراغبين بالعودة إلى مناطق سكناهم الأصلية"، مشيرا إلى أن "عودة النازحين تتطلب تنظيماً فنياً وأمنياً من أجل تحقيق العودة الطوعية، وذلك يجرى من خلال الوقوف على المشكلات الأساسية التي تعيق عودتهم".
وشدد على "قدرة الحكومة على تجاوز هذه المشكلات وحلها بشكل فوري، إلا أن عدم المضي بذلك يعود لأسباب سياسية، إلى جانب الوضع الاقتصادي المتردي لكل أسرة نازحة، فضلاً عن تردي الوضع الخدمي لمناطقهم، إذ خسر أغلبهم ممتلكاتهم وأموالهم إبان فترة احتلال "داعش" مناطقهم، ما يتطلب صرف تعويضات مالية وإعادة تأهيل منازلهم ومناطقهم لإعادتهم إليها وإنهاء ملف النزوح بشكل نهائي".
وأشار إلى أن "اللجنة تتابع مع الجهات المعنية أوضاع النازحين داخل المخيمات وخارجها، بهدف حلها بشكل جدي، بحسب الوثيقة السياسية والبرنامج الحكومي الخاص بهذا الملف".
وعلى الرغم من أن برنامج حكومة محمد شياع السوداني، الذي صوت عليه البرلمان العراقي، يتضمن حسم ملف النازحين، إلا أنه لا توجد إشارات لتحرك حكومي في هذا السياق، فيما أكد مسؤول في وزارة الهجرة أن العقدة تكمن في سيطرة المليشيات على بعض المناطق ومنع عودة أهلها.
وقال المسؤول لـ"العربي الجديد"، مشترطا عدم ذكر اسمه: "لا توجد بوادر لحسم الملف وإعادة النازحين قريبا، والحكومة كانت قد تحركت ووعدت، إلا أنها صدمت بموقف متشدد من قبل بعض الفصائل المسلحة التي تسيطر على تلك المناطق وأحدثت فيها تغييرا ديمغرافيا ومنعت عودة النازحين لها".
وذكّر بأن "رئيس الوزراء حصل سابقا على وعود من رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض وقيادات الحشد الكبيرة بإنهاء الملف، إلا أنهم تخلوا عن وعودهم، الأمر الذي قد يفشل كل الجهود المبذولة في هذا الاتجاه".
وسبق لمفوضية حقوق الإنسان في العراق أن كشفت عن وجود أكثر من مليون نازح، لكن الموجودين في مخيمات النزوح بإقليم كردستان يقربون من 650 ألف نازح. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، كشفت حكومة إقليم كردستان، شمالي العراق، عن وجود أكثر من 900 ألف نازح ينتشرون في مخيمات ومدن الإقليم.
كما أعلنت وزيرة الهجرة العراقية إيفان جابرو، في العامين الماضيين، عدة مرات، إغلاق جميع مخيمات النازحين في المحافظات باستثناء التي أقيمت في إقليم كردستان، فيما أكدت، العام الجاري، أن الملف سينتهي بشكل كامل خلال 6 أشهر ضمن البرنامج الحكومي، إلا أن ذلك لم يتحقق.
وعلى أرض الواقع، لا يزال أكثر من 400 ألف عراقي ممنوعون من العودة إلى مدنهم بقرار من المليشيات المسلحة التي تستولي عليها، وأبرزها منطقة جرف الصخر (شمالي بابل)، التي تضم قرى وأريافاً منزوعة السكان، مثل الفارسية وصنيديج والقراغول وغيرها، يتحدر منها نحو 140 ألف نسمة.
وتسيطر على المنطقة مليشيات "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"عصائب أهل الحق" و"جند الإمام" منذ نهاية عام 2014. كما منعت تلك المليشيات سكان بلدات أخرى، أبرزها العوجة ويثرب وعزيز بلد وقرى الطوز وقرى مكحول في محافظة صلاح الدين، والعويسات وذراع دجلة وجزء من منطقة الثرثار ومجمع الفوسفات في محافظة الأنبار، وقرى المقدادية وحوض العظيم، شمال شرقي محافظة ديالى، من العودة إليها.