تتفاقم يوماً بعد يوم أزمة نقص المياه في مدينة الباب بريف حلب، وبالتالي معاناة أكثر من 300 ألف من سكانها والتي يزيدها ارتفاع درجات الحرارة، وتعرض عدة آبار للجفاف، ما يحمّل العائلات خصوصاً أعباءً مادية كبيرة، في وقت تعيش غالبيتها حالة من الفقر والعوز. ووسط الحركة النشيطة لصهاريج نقل المياه في شوارع الباب، يشكو أبو محمد مصطفى (56 عاماً)، من صعوبة الحصول على دور لدى أصحاب هذه الصهاريج، وغلاء أسعارها، يقول لـ"العربي الجديد": "أصبحت المياه همّاً يومياً لدى سكان مدينة الباب. فمنذ أن قطع النظام السوري المياه عنها نعيش في حال تقشف شديد، حيث إن نقطة المياه ذات قيمة لدينا، باعتبار أن لا وجود لبدائل". ويشرح أن "غالبية الأهالي يحاولون تنظيف منازلهم باعتماد الطرق الأكثر اقتصاداً في استهلاك المياه، حتى أن غسيل الثياب يحصل مرة واحدة أسبوعياً، ويعاد استخدام مياهه في أعمال أخرى، مثل تنظيف الأرضيات".
وفي تجسيد للواقع، تضع أم محمد تركاوي (44 عاماً)، أمامها وعاءين، يتضمن الأول كمية قليلة من الماء وصابون، والثاني ماءً فقط. تستخدم الأول لتنظيف أوان وصحون تمررها لاحقاً في الوعاء الثاني لإزالة الصابون عنها، وتقول لـ"العربي الجديد": "أحاول أن أنظف الأواني مرة واحدة يومياً، لذا أجمعها طوال النهار، وأنظفها عند المغيب. إحساس عوز الماء يرافقنا في كل تفاصيل حياتنا اليومية، وفعلياً نخصص جزءاً من ثمن طعامنا لجلب صهريج ماء ارتفع سعره كثيراً في الفترة الأخيرة". تضيف: "المياه القليلة حرمتنا من زرع وردة في المنزل. فكأس الماء الذي نروي الوردة به يحتاجه أطفالي، خصوصاً خلال موجات الحر الشديد التي نشهدها هذه الأيام. ونناشد المنظمات الإنسانية مساعدتنا في تأمين مياه، خصوصاً تلك الصالحة للشرب".
من جهته، يقول الناشط الإعلامي علي الحلبي، المتحدر من الباب، لـ"العربي الجديد": "أزمة المياه في الباب سببها جفاف معظم آبار المنطقة، ما يجبر الناس على اعتماد سياسة تقنين في استخدام المياه، وسط شحّ كبير في الكميات، وتزايد حاجة المنطقة للمياه التي نحصل عليها حصرياً عبر الصهاريج، أو من خلال عمليات ضخ من الخزان الرئيسي للشبكة التي تقسّم المدينة إلى قطاعات تضخ المياه إلى واحد منها يومياً، لمدة 3 ساعات فقط". يتابع: "تبلغ كلفة الخمسة براميل، والتي تنقلها الصهاريج 25 ليرة تركية (نحو 3 دولارات)، علماً أنها غير صالحة للشرب بسبب تلوثها بمياه الصرف الصحي. وقد توسعت المدينة خلال السنوات الأخيرة بمقدار ضعف ما كانت عليه قبل عام 2011، ولا توجد شبكة صرف صحي فيها، ما جعل المنازل تستخدم جور التصريف التي تسرّب الماء الملوث إلى الآبار". ويتحدث الحلبي عن معاناته الشخصية مع المياه قائلاً: "كان استهلاك منزلي 5 براميل كل 5 أيام. واليوم يجبرني التقشف على استهلاك 5 براميل خلال سبعة أيام، بعدما قللنا من تنظيف البيت، وأصبحنا نستخدم مياه الغسيل للتنظيف والحمام". ويرى أن استجرار مياه نهر الفرات من منطقة جرابلس التي تبعد نحو 80 كيلومتراً عن الباب، هو الحل المطلوب المناسب، لكنه مكلف ويحتاج إلى دعم".
من جهته، يتحدث مدير دائرة المياه في الباب مصطفى الأخرس، لـ"العربي الجديد"، عن أن "منظمة إحسان نفذت في منتصف العام الماضي مشروع طوارئ بالتعاون مع الحكومة التركية والمجلس المحلي، من أجل استجرار المياه عبر حفر 3 آبار في منطقة الراعي و7 آبار في سويسان، ووفرت مياهاً بكميات مقبولة حتى مايو/ أيار الماضي، وسمحت بضخ المياه لكل حي في المدينة بمعدل مرتين أسبوعياً لمدة أربع ساعات. لكن قلة الأمطار وارتفاع درجة الحرارة أخرجت عدة آبار عن الخدمة بعد جفافها. ففي سويسان، جفّت 4 آبار، وانخفضت غزارة الثلاث الباقية إلى نحو النصف. وتجري حالياً عملية تعبئة خزان الجبل عبر 3 آبار في الراعي و3 آبار في سويسان وبئر صندي، وجميعها لا تعمل على مدار 24 ساعة، بل لساعات محددة قبل أن تتوقف لتتجمع المياه مجدداً بداخلها، علماً أن تعبئة خزان الجبل الذي يتسع لنحو 10 آلاف متر مكعب، كانت تستغرق 16 ساعة قبل أيار، في حين يستغرق ذلك اليوم نحو 40 ساعة".
يضيف: "شكل حفر الآبار حلاً للطوارئ تمهيداً لتنفيذ حل دائم لمشكلة المياه. وتفقدنا مع مسؤولي المجلس المحلي نقاط مياه عدة في جرابلس، بينها بحيرة الغندورة، وأخذنا عينات من المياه لتحليلها تمهيداً لوضع خطة لاستجرار المياه من إحدى هذه النقاط لمدينة الباب. ونحن ندعو إلى تكاتف جهود المنظمات الدولية والمحلية لاستجرار المياه في أقرب وقت لخدمة أكثر من 320 ألف شخص يعانون من مشقات كبيرة يومياً للحصول على مياه الشرب". ويشير إلى أنه "في إطار الحلول السريعة المتوافرة لتوفير المياه، نعمل لتجهيز بئر جديدة في منطقة الراعي ووضعها قيد الخدمة خلال أيام، كما يبيع المجلس عبر آباره العشر براميل من المياه للصهاريج بسعر 13 ليرة تركية (نحو 1.5 دولار)، تمهيداً لبيعها للمواطنين بـ20 ليرة تركية (نحو 2.3 دولار)".