تُقابل الإجراءات الأوروبية الهادفة إلى فرض حصول المواطنين على اللقاحات المضادة لكوفيد-19 بالرفض من قبل بعض الذين يجدون في الأمر انتهاكاً لحريتهم الشخصية. ورغم اختلاف الإجراءات بين دولة وأخرى، يبدو أن القاسم المشترك هو إصرار مواطنين على رفض إلزامية اللقاحات.
وشهدت عدد من المدن السويدية، بينها العاصمة استوكهولم وغوتنبرغ (ثاني أكبر مدينة تقع في مقاطعة فاسترغوتلاند في الساحل الغربي من السويد) تظاهرات ضمت الآلاف ممن يشككون بجائحة كورونا ويرفضون اللقاحات، ودعت إليها "حركة الحرية" للدفاع عن رفض التلقيح الإلزامي. وكانت تظاهرة يوم السبت الماضي كبيرة. وتفيد تقديرات شرطة استوكهولم بمشاركة ما لا يقل عن 3 آلاف في الاحتجاجات، في وقت يقول المنظمون إن عدد المحتجين وصل إلى 18 ألفاً، بالإضافة إلى بضعة آلاف في الجنوب. وتحدث جهاز الاستخبارات السويدي عن "استغلال جهات متطرفة" لحملات معارضة اللقاح. من جهة أخرى، ساهم اتساع نطاق المشاركة الشعبية في رفض الإجراءات إلى إغلاق مراكز اللقاحات خشية تخريبها.
واستغلّت جهات يمينية متشددة التظاهرات، ورفعت لافتات كتب عليها "من أجل سويد حرة"، و"نعم للحرية، لا لتصاريح التلقيح (جواز كورونا)"، و"لا تلمسوا أطفالنا"، في إشارة إلى رفض المتظاهرين حملة حكومية لتلقيح الأطفال في ظل زيادة أعداد المصابين بمتحور "أميكرون" من فيروس كورونا الجديد، والسعي إلى فرض "جواز كورونا".
وتشير الصحف السويدية المحلية إلى أن المحتجين يريدون إجبار السلطات على التراجع عن قرارها بفرض "جواز كورونا". ويقول أحد منظمي التظاهرات ماكس فينثر لإحدى الصحف السويدية إن "الحكومة تتجه إلى تبني التلقيح الإجباري، الأمر الذي يتعارض مع فكرة الحرية في مجتمعنا". وبحسب "حركة الحرية"، فإن الإجراءات السويدية "تتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان لدينا، ويشعر كثيرون أن إلزامية التلقيح تمثل مشكلة".
ليست السويد الدولة الوحيدة التي تشهد احتجاجات مناهضة لإلزامية اللقاحات. اليونان، حيث ترتفع أعداد الإصابات والوفيات الأمر الذي يشكل ضغطاً على القطاع الصحي، تشهد تحركات مماثلة. وينسحب الأمر على كل من فنلندا والبرتغال وبريطانيا وأوكرانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا وغيرها. إلا أن نسبة المشككين تبقى أقل من المقتنعين بضرورة الحصول على اللقاحات.
ويركز منظمو هذه التظاهرات على مبدأ الحرية. وقال رئيس حزب "الجبهة الوطنية" المتشدد فلوريان فيليبو: "لا للفصل العنصري بين الملقحين وغير الملقحين". يشار إلى أن فرنسا ستفرض إظهار جواز كورونا على الأشخاص ما فوق 16 سنة قبل الدخول إلى مطعم أو مقهى أو مسرح أو السفر بالقطار لمسافات طويلة. وعلى الرغم من تخفيف بعض القيود التي تتعلق بالعمل في المنزل، تسجل فرنسا إصابات غير مسبوقة يومياً. وفرضت كل من إيطاليا واليونان إلزامية اللقاحات بالنسبة للأشخاص ما فوق الـ 50 عاماً.
People are not happy with the Covid measures in Belgium.pic.twitter.com/m27fpjOOOX
— Stan (@StanM3) January 23, 2022
أما النمسا، فبدت إجراءاتها أكثر تشدداً، إذ أقرت الغالبية البرلمانية قانوناً يلزم جميع المواطنين الذين تبلغ أعمارهم 18 عاماً وأكثر في البلاد على تلقي اللقاحات. ويستثني القانون كلاً من الحوامل والأشخاص المتعافين من كوفيد-19 خلال الأشهر الستة الماضية، والأفراد الذين لا يمكن تطعيمهم لأسباب طبية. وسيواجه الأشخاص غير الملقحين بعد ذلك غرامة تصل إلى 685 دولاراً إذا لم يكن لديهم شهادة لقاح أو أظهروا دليلاً على استثنائهم. هكذا تصبح النمسا أول دولة أوروبية تصوت على إلزامية اللقاحات. قرار دفع المعارضين للنزول إلى الشارع ما أدى إلى وقوع صدامات بين الشرطة والمحتجين. وتبرر السلطات خطوتها بالصعوبة التي تواجهها لتضييق الفجوة مع جيرانها الأوروبيين في ما يتعلق بتلقي الجرعة الثالثة، إذ لم تتجاوز النسبة لديها 47 في المائة، بينما وصلت إلى 59 في المائة في الدنمارك على سبيل المثال.
من جهتها، تحاول إيطاليا إقناع مواطنيها بضرورة تلقي اللقاحات بهدف تخفيف الضغط على عناصر الشرطة التي تعمل على التأكد من حصول المواطنين على اللقاحات. وتواجه فرنسا صراعاً سياسياً حاداً بين اليمين واليسار قبل أسابع من الانتخابات، وقد تلقى البعض تهديدات بالقتل، في وقت تفيد استطلاعات الرأي بأن الفرنسيين يخشون على مستقبل الديمقراطية في بلادهم.
ويقلق توجه الأوروبيين نحو اعتماد إلزامية اللقاحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، وتقول إن هناك حاجة لمناقشة إلزامية اللقاحات في ظل تكرر وتوسع مشهد المعارضين في الشارع.