لم يسلم العمال الغزيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 من أذى الاحتلال الإسرائيلي عقب عملية "طوفان الأقصى"، حيث طردهم الاحتلال من أماكن عملهم إلى الضفة الغربية.
يروي عدد من العمال لـ"العربي الجديد" رحلة التنكيل بهم من مقار عملهم وعلى الحواجز الإسرائيلية التي تفصل الضفة الغربية عن مناطق أراضي 1948 المحتلة، وقد وصل المئات منهم إلى رام الله وسط الضفة الغربية، بينما توزع آخرون على مدن أخرى.
على الرصيف أمام مقر محافظة رام الله والبيرة، وداخل إحدى الغرف في المحافظة، يجلس العشرات من العمال الغزيين الواصلين لتوهم من الأراضي المحتلة في انتظار مركبات تقلهم إلى أماكن إيوائهم التي وفرتها المحافظة، ومعظمها في فنادق المدينة التي أصبحت معظم غرفها شاغرة.
يرفض كثير من العمال الغزيين الحديث للإعلام، فهم يقولون إنهم يريدون تأمين العودة إلى أهلهم وذويهم في غزة في الوقت الذي يتمكنون فيه من ذلك، وقد اكتفى أحدهم بالسماح بتصوير آثار على يديه جراء اعتداء تعرض له قبل أن يصل إلى الضفة الغربية.
بين الجالسين كان بسام كفارنة، من سكان بلدة بيت حانون شمال شرقي قطاع غزة، فقد بالأمس ابنه سهيل (23 عاماً) خلال غارة إسرائيلية على معسكر جباليا.
يروي كفارنة لـ"العربي الجديد" ما تعرض له ابنه الشهيد، فالعائلة اضطرت لترك منزلها في بيت حانون، كونها تعتبر منطقة حدودية، ولجأوا إلى مدرسة في منطقة معسكر جباليا، مشيراً إلى تزامن خروج سهيل لشراء بعض الأغراض لإخوته مع شن قوات الاحتلال غارة أدت إلى إصابته في قلبه وقدمه وكتفه بشظايا، لم يتحملها جسده وتم إعلانه شهيداً.
عندما أصيب سهيل كان كفارنة قد وصل قبل ساعات إلى رام الله، قادماً من مكان عمله في منطقة "حيفتس حاييم" الإسرائيلية شرقي أسدود، حيث داهم جيش الاحتلال مكان عمله، واحتجزه وزملاءه لساعات قبل الوصول بهم عند منتصف الليل إلى حاجز عسكري يفصل منطقة رام الله وسط الضفة الغربية عن الأراضي المحتلة عام 1948.
أمنية بسام كفارنة الآن تكمن في تأمين وصوله إلى قطاع غزة ليشارك في تشييع جثمان ابنه، حتى لو كان ذلك عن طريق سفره من الأردن والدخول عبر مصر، خاصة أن زوجته كذلك في مصر مع أبناء آخرين يحصلون على العلاج. لكن الأوضاع قد تتعقد مع إعلان مصر إغلاق معبر رفح نتيجة القصف الإسرائيلي.
ورغم رفض الكثيرين الحديث عن الاعتداءات، روى محمد البطش ابن حي التفاح في مدينة غزة لـ"العربي الجديد" ما تعرض له على أيدي قوات شرطة الاحتلال.
وصل البطش صباح اليوم إلى مقر المحافظة في رام الله، قادماً من نابلس شمال الضفة الغربية، وقبل ذلك قلقيلية شمال الضفة حيث ألقت قوات شرطة الاحتلال به وبزملائه فجر الأحد الماضي، على حاجز قلقيلية أو ما يسمى حاجز "أيال".
كان البطش كما يقول في مكان عمله في قطاع البناء في منطقة هرتسيليا شمال تل أبيب، وداهمت شرطة الاحتلال المكان عند الواحدة ظهراً من يوم السبت الماضي، بعد ساعات من إطلاق المقاومة عملية "طوفان الأقصى".
قيّد الاحتلال أيدي البطش وزملائه الذين كان عددهم 18 شخصاً، بقيود بلاستيكية، بقيت على أيديهم حتى إيصالهم إلى الحاجز العسكري بعد 16 ساعة.
يؤكد البطش أنه تعرض وزملاءه إلى الضرب بالأيدي والهراوات بدون سبب، ونقلوا إلى أحد مراكز شرطة الاحتلال قبل نقلهم إلى حاجز قلقيلية وتركهم هناك فجراً، حيث وصلوا بعد ذلك إلى مسجد في المدينة قضوا ليلتهم فيه، ثم توجهوا لاحقاً إلى نابلس، ثم رام الله.
جزء من العمال وصلوا إلى الضفة بدون احتياجاتهم، أو حتى بدون أموال، وهو ما رواه لـ"العربي الجديد" رامي أبو لولي ابن مدينة رفح، موضحاً أن موعد الحصول على أجره الشهري هو العاشر من كل شهر، وقد طلب أصحاب العمل الإسرائيليون من العمال المغادرة وعدم العودة في ظل الوضع الراهن دون إعطائهم أجورهم.
بقي أبو لولي في مسكن خاص بالعمال في مدينة اللد وسط فلسطين المحتلة منذ السبت وحتى أمس الإثنين، دون أن يخرج هو والآخرون، حتى استطاعوا العثور على سائق وافق على نقلهم إلى أحد الحواجز قرب رام الله.
أكثر ما يقلق أبو لولي وضع عائلته التي تشتتت كما يقول، فزوجته في بيت وأبناؤه في بيت ووالده في بيت، إذ قرروا عدم التجمع في منزل واحد خشية تعرضه للقصف واستشهادهم جميعاً.
وبحسب محافظ رام الله والبيرة ليلى غنام، فإن أكثر من مئتين من عمال غزة وصلوا إلى رام الله حتى صباح اليوم الثلاثاء، إضافة إلى آخرين وصلوا إلى مدن أخرى، مشيرة إلى أنّ عدد العمال يتزايد، قائلة لـ"العربي الجديد": "المحافظة تتعامل معهم ضمن نظام الطوارئ، حيث تؤمن لهم المأوى".
وأشارت غنام إلى أن عدداً من العمال أبلغوا المحافظة بتعرضهم لاعتداء من قبل الاحتلال، وآخرين لم يتمكنوا من إحضار المقتنيات أو هواتفهم أو حتى بطاقات هويتهم الشخصية.