لم يؤجّل الاحتلال الإسرائيلي كثيراً تنفيذ تهديدات جهاز استخباراته بالاعتقال والقتل بحقّ شبان مخيم قلنديا شمالي القدس المحتلة كثيراً، وقد اختارت قوات الاحتلال ساعة اكتظاظ في المخيم لاقتحامه، صباح أمس الثلاثاء، وقتل علاء شحام وإصابة ستة آخرين، بالإضافة إلى تنفيذ حملة اعتقالات.
ويعود الأمر، بحسب ما يقول زكريا فيالة من حركة "فتح" في منطقة قلنديا وكفر عقب، لـ"العربي الجديد"، إلى "أيام، عندما ازدادت وتيرة اتصالات أحد ضباط استخبارات الاحتلال بالشبان"، مؤكداً أنّ "تلك التهديدات ممّن يسمّى بضابط المنطقة كانت واضحة بالقتل، لا سيّما مع القول إنّه سوف يوصّل جثثهم هامدة إلى أمهاتهم إن لم يسلّموا أنفسهم".
ولعلّ آخر تلك التهديدات أتى صباح أمس الثلاثاء، خلال اقتحام قوات الاحتلال المخيم، إذ كتب ضابط الاحتلال نفسه على صفحته على موقع "فيسبوك": "اللي حابب يتعرّض لخطر خلّوه يقرّب على الجيش".
#صورة الشاب علاء محمد شحام والذي إرتقى برصاص الاحتلال في مخيم قلنديا شمال القدس" pic.twitter.com/d20HFSNbhv
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) March 15, 2022
واستناداً إلى تلك التهديدات، رأى أهالي مخيم قلنديا أنّ ثمّة نيّة مبيّتة بالقتل، ليس بحق الشهيد علاء شحام بحدّ ذاته، بل القتل بهدف القتل. فالاقتحام حصل بعد الساعة السابعة صباحاً، عند خروج التلاميذ إلى مدارسهم والموظفين والعمّال إلى أشغالهم، أي عندما تكون الشوارع مكتظة، وعندما يكون متوقّعاً أن يتصدّى الشبان لجنود الاحتلال في مواجهات قوية.
بالفعل، كانت المواجهات عنيفة في مخيم قلنديا، صباح أمس الثلاثاء، وقد أصيب خلالها علاء، الذي يبلغ من العمر 20 عاماً، بالرصاص المطاطي في بادئ الأمر، فوقع أرضاً قبل أن يساعده شبان على الوقوف. أكمل معهم مسيره نحو أحد أسطح المنازل، ليُصاب من جديد برصاص حيّ في الرأس هذه المرّة ويسقط شهيداً. كذلك أصيب ستة شبان آخرون بالرصاص الحيّ.
يخبر شاب فلسطيني كان شاهداً على ما حصل، "العربي الجديد"، متحفّظاً على ذكر اسمه: "صعدت مع الشهيد علاء إلى أحد أسطح المنازل، في ظلّ مواجهات عنيفة. وحين أطلّ علاء برأسه، أطلق عليه جنود الاحتلال فوراً الرصاص الحيّ". يضيف الشاهد: "ينتظرونك حتى تطلّ برأسك ليطلقوا النار عليك"، في إشارة إلى نيّة القتل. ويؤكد أنّ "الوضع كان مخيفاً، فقوات الاحتلال كانت مستنفرة، وهي لم تستخدم قنابل الغاز، بل الرصاص الحيّ فقط".
وكان "تصدّي شبان مخيم قلنديا لقوات الاحتلال والمواجهات التي اندلعت، عنيفاً"، بحسب ما يؤكّد شاهد آخر هو الفتى عصام عساف، الذي كان موجوداً في المبنى المقابل لمكان استشهاد علاء. ويقول لـ"العربي الجديد": "كنّا نريد الخروج إلى المدارس، لكنّنا رأينا جنود الاحتلال فعُدنا أدراجنا، ثمّ صعدنا إلى السطح لنشاهد ما يحصل. وحين بدأ الجنود بالانسحاب، حوصروا في الشارع خلال المواجهات. وأراد الشبان، من بينهم علاء، إلقاء الحجارة من أعلى السطح، لكنّ الجنود أطلقوا الرصاص وقتلوه، بعدما كان قد أُصيب قبل صعوده إلى المبنى، علماً أنّ إطلاق الرصاص أتى من أكثر من مكان".
وكان عساف يتحدّث وهو يؤشّر إلى بقع دماء وآثار الرصاص على الجدران، الأمر الذي يدلّ على إطلاق نار كثيف. يُذكر أنّ ذلك أدّى إلى انقطاع أحد كوابل الكهرباء، ليعمد فنيّو شركة الكهرباء لاحقاً إلى إصلاحه.
من جهته، يقول حسن حماد، وهو من سكان مخيم قلنديا، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجميع تفاجأ باقتحام جيش الاحتلال وانتشار قنّاصة على أسطح المنازل"، مضيفاً أنّ "قوات الاحتلال كانت متعطشة للدم والقتل، وقد استخدمت العنف والرصاص الحيّ... كانت ساحة حرب".
أمّا والد الشهيد فتوجّه إلى "العربي الجديد" باكياً وهو يقول: "علمت بإصابة ابني وأنا في عملي بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، فعدت إلى المخيم لأتبلّغ باستشهاده". ويؤكد أنّ "الاحتلال لا يقتل إلا عمداً. فحين يقتحم أيّ مكان يعرف أنّه سوف يقتل".
ولعلاء شقيقان وشقيقتان بحسب ما يشير والده، موضحاً أنّ "علاء الذي يعمل في النجارة كان مكافحاً وخلوقاً ويحبّ عمله ويكدّ فيه. كذلك أنشأ أخيراً مشروعاً صغيراً لصنع وبيع غزل البنات والفشار، إلى جانب عمله الأساسي". يضيف الوالد أنّه "كان قد حدّثني يوم السبت الماضي، عن نيتّه الزواج، لكنّ الشهادة كانت أقرب".
بالنسبة إلى فيالة، فإنّ حادثة الاقتحام وقتل شحام "جريمة واعتداء فاضحان على مخيم قلنديا، فقوات الاحتلال تعلم أنّها سوف تُقابَل بمواجهة حقيقية وبتصدّ من قبل الشبان".
في السياق نفسه، يقول نائب محافظ القدس عبد الله صيام لـ"العربي الجديد": "نرى تصعيداً قبل شهر رمضان، ما يذكّرنا بما كان في العام الماضي"، مشدداً على أنّ "هذا وضع خطير وهو استغلال للموقف الدولي الذي يوجّه أنظاره اليوم إلى ما يجري في أوكرانيا وروسيا وغيرهما". يضيف أنّ "هذا يتطلب موقفاً من قبل العالم العربي والعالم الإسلامي والمجتمع الدولي".