يتذكّر الشاب الفلسطيني كريم السالم السهرة التي جمعته بزميله في الثانوية العامة محمود عبد الجليل السعدي (18 عاماً) من مخيم جنين شماليّ الضفة الغربية، قبل ليلتين من استشهاده برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، عندما كان يتحدث عن طموحه بمستقبل واعد يُحقّق فيه أحلامه.
لكن قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت لتلك الأحلام الوردية التي يرنو إليها السعدي بالمرصاد، لتقتله برصاصها الغادر، الذي أصابه وهو في طريقه صبيحة الحادي والعشرين من الشهر الجاري، إلى مدرسته "مدرسة فرحات حشاد" القريبة من المخيم، حينما اقتحمت قوات الاحتلال المخيم لاعتقال المطارد راتب البالي الذي اعتُقِل في الاقتحام ذاته.
يقول السالم لـ"العربي الجديد"، وهو يجلس مع رفاقه على أطراف الضريح الذي دفنوا فيه زميلهم في مقبرة شهداء مخيم جنين: "وكأنه كابوس، قبل استشهاد محمود سهرنا في بيتي في المخيم، وكان جُلّ حديثنا عن المدرسة، لكن محمود كان يتحدث عن أبعد من مجرد شهادة يحصل عليها بعد انتهاء الثانوية العامة، بل عن حلمه بدخوله الجامعة والتخرج منها والعمل والمستقبل".
ويضيف السالم: "أعرف الشهيد منذ الطفولة، يتصف بهدوء كبير، كما أنه بسيط ومتواضع وصديق للجميع". وهنا يتدخل ابن عمّ الشهيد وزميله في الصف، سائد السعدي، في الحديث، قائلاً: "أنا أكثر من يعرفه، كان يجلس بجانبي إلى الطاولة ذاتها، هذا غير أنه ابن عمي وجاري، كل الصفات التي ذكرت عنه صحيحة، إضافة إلى أنه كان يتمنى لكل طلاب الصف أن ينجحوا، لأنه إنسان يحب الكل ولا يعرف التمييز بين الناس".
من جهته، يقول إياد السعدي، عمّ الشهيد لـ"العربي الجديد": "إن محمود هو الابن الوحيد لوالديه من الذكور بين أربع شقيقات، وكانت عائلته تنتظر تخرجه من الثانوية العامة هذا العام الدراسي، لكن رصاص الاحتلال كان أسرع من تلك اللحظة".
ويضيف السعدي: "أصيب محمود على بعد أمتار من مدرسته في أثناء توجهه إليها، برصاصة في بطنه من النوع المعروف محلياً بـ(الفراشة)، الذي يُحدث تهتك كامل الأحشاء الداخلية".
ويتابع: "والدا محمود وشقيقاته يعيشون صدمة كبيرة، وحتى الآن لا يصدقون ما حدث معه، فقد كان أمل العائلة الذي يعوّلون عليه لانتشالهم من الحالة الصعبة التي يعيشونها".
وبعث السعدي برسالة إلى مؤسسات حقوق الإنسان ومنظمات حقوق الطفل في العالم، وإلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، لكونه أحد طلابها، بأن "الاحتلال يقتل أبناءنا وهم يحملون حقائبهم أمام المدارس، في ظل صمتكم وعدم حمايتكم لأبنائنا".
وسبق أن أكدت وزارة التربية والتعليم، أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في جرائم قتل طلبة المدارس من قبل الاحتلال الإسرائيلي في الفترة الأخيرة، وأن ذلك يستوجب تدخلاً من المؤسسات الأممية المختصة.
ووفق بيان سابق للوزارة، فإن أكثر من 40 طفلاً فلسطينياً استشهدوا هذا العام 2022، بفعل اعتداءات الاحتلال -يضاف إليهم الشهيد السعدي- لافتة إلى أنّ ثمة أكثر من 750 حالة اعتقال في صفوف الأطفال، والفتية ممن هم في سنّ الدراسة، منذ مطلع العام ذاته، ضمنهم جرحى، فيما لا يزال أكثر من 150 طفلاً رهن الاعتقال، منهم عدد من طلبة الثانوية العامة، وثلاث طالبات قاصرات، وهنّ: نفوذ حماد (16 عاماً)، وزمزم القواسمة (17 عاماً) وجنات زيدات (16 عاماً).
وتطالب وزارة التربية والتعليم بتنسيق الجهود والتدخلات لحماية حق الأطفال في التعلّم وفي الحياة، وخاصة في ظل ما أشارت إليه تحذيرات صادرة عن نادي الأسير الفلسطيني من أن الإحصاءات والشهادات الموثقة للمعتقلين الأطفال، تشير إلى أن أغلب الأطفال الذين اعتُقِلوا تعرضوا لشكل أو أكثر من التعذيب الجسدي والنفسي، عبر أدوات وأساليب ممنهجة منافية للقوانين والأعراف الدولية والاتفاقيات الخاصة بحقوق الطفل.
ووصل عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية العام الجاري وحتى اليوم، إلى 206 شهداء، بينهم 150 من الضفة الغربية، و52 من قطاع غزة، و4 شهداء من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948.