على مدى عشر ساعات، عاشت عائلة بشارات الفلسطينية توتّراً كبيراً، بعد اعتقال الأمّ نجية بشارات البالغة من العمر 39 عاماً من خربة مكحول في الأغوار الفلسطينية بالضفة الغربية، يوم أمس الاثنين، والفصل بينها وبين رضيعتها جنى البالغة من العمر شهرَين فقط. وبعد ذلك الوقت، أُفرج عن الأمّ في رام الله وسط الضفة الغربية التي تبعد أكثر من ساعتَين عن مكان سكن العائلة.
وكان الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يراعي أدنى المعايير الإنسانية والشرائع الدولية، قد اعتقل ظهر أمس نجية، بعد ادّعاء مستوطنين أنّها ألقت حجارة صوبهم. وعلى الرغم من مطالبتها بإبقاء طفلتها معها لتتمكّن من إرضاعها، فصل الجنود بالقوّة ما بين الأمّ وابنتها التي تحتاج إلى الرضاعة كلّ ساعتَين.
تخبر نجية بعد الإفراج عنها "العربي الجديد": "جنود الاحتلال اعتقلوني من منزلي على خلفية تهمة وجّهها إليّ مستوطنون ادّعوا أنّني رشقتهم بالحجارة. وعندما همّوا بأخذي، تمسّكت بابنتي الرضيعة. أبقيتها معي حتى وصولنا إلى معتقل يطلق عليه الاحتلال اسم معتقل بنيامين، بالقرب من حاجز الحمرا المقام بالقرب من مدينة أريحا شرقي الضفة. وبعدما تمكّنت من إرضاعها بضع دقائق بحضور متضامنة أجنبية، انتزع الجنود الطفلة مني، فراحت تبكي. كذلك طردوا الناشطة الأجنبية من المكان".
في تلك الأثناء، كان يوسف بشارات (44 عاماً)، زوج نجية، ينتظر الإفراج عنها. وعندما فصل جنود الاحتلال الطفلة عن أمّها، حملها هو محاولاً تهدئتها، لكن من دون جدوى. وظلّ يوسف يدقّ باب المعتقل في محاولة للضغط على قوات الاحتلال للسماح من جديد بإدخال الطفلة وإرضاعها، بعد ساعتَين تقريباً قضتهما الأمّ في التحقيق. وبعدما فقد يوسف الأمل، توجّه إلى أقرب مكان يبيع الحليب الصناعي واشترى بعضاً منه وقنينة رضاعة بلاستيكية ليطعم الصغيرة. لكنّها رفضت ذلك وأجهشت بالبكاء من جديد.
يقول يوسف لـ"العربي الجديد": "وبعدما رفضت كلّ المحاولات التي اتّبعتها حتى تتناول الحليب، أمسكت بإصبعها في نهاية المطاف وزاد بكاؤها". ولا يخفي يوسف أنّ الموقف كان صعباً وكذلك الحديث عمّا عاشه حينها. ويؤكد أنّ "طفلتي نامت بسبب الجوع باكية. نامت من كثرة البكاء، وكانت تستقيظ مدّة نصف ساعة تبكي فيها، قبل أن تغفو من جديد بسبب البكاء مدّة نصف ساعة أخرى". وظلّ يوسف مع طفلته على هذه الحال نحو عشر ساعات متواصلة، يحملها ويمشي فيها أمام المعتقل لتهدأ من دون جدوى. وحاول غناء أهازيج فلسطينية لها، لكنّها ظلّت تبكي. وخلال محاولته تهدئة صغيرته، حاول يوسف مرّات عدّة الضغط على جنود الاحتلال لنقل الطفلة إلى والدتها حتى تتمكّن من إرضاعها. فراح يقرع على بوابة المعتقل ويطالبهم بذلك، لكن من دون جدوى.
هكذا أنهكت ساعات الاعتقال نجية كما زوجها وابنتها الرضيعة. وتخبر أنّها أصيبت بآلام حادة في الرأس نتيجة اعتقالها، فهي لم تعتد البقاء في زنزانة وفي غرف التحقيق هذه المدة الطويلة. ثمّ جاء قرار الاحتلال القاضي بتسليمها إلى الارتباط الفلسطيني في مدينة رام الله، التي تبعد ساعتَين ونصف ساعة عن مكان المعتقل.
وتحكي نجية عن الأسئلة المتتالية التي راح يطرحها ضباط الاحتلال المعنيين بالتحقيق معها حول سبب رميها الحجارة على المستوطنين، الأمر الذي نفته. وتؤكّد لـ"العربي الجديد": "أتعرّض وأطفالي لمضايقات عديدة يومياً من قبل مستوطنين سكنوا في المنطقة منذ نحو عامَين، وأحضروا معهم ماشية، منها الأبقار". تضيف نجية أنّ "صباح اليوم الذي اعتُقلت فيه، اقترب منّا مستوطنون وبدأوا بمضايقة أحد أطفالي التسعة ويُدعى حسين ويبلغ من العمر 16 عاماً. عندها لم أتمالك نفسي، وخرجت من المنزل محاولةً ردعهم ونهرهم بالكلام. فقد تعبنا منهم ومن مضايقاتهم اليومية".
وتتابع نجية: "عندما أرادوا تحويلي إلى الارتباط الفلسطيني، سمحوا لزوجي بإعطائي طفلتنا جنى، فقمت على الفور بإرضاعها في طريقي إلى رام الله داخل مركبة عسكرية. تحسّست رأسها فوجدته مبتلاً بدموعها. وبعد الإفراج عني، وصلت إلى المنزل عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. هناك، احتضنني أطفالي، خصوصاً كريم البالغ من العمر ثلاثة أعوام. هو بكى بشدّة عند اعتقالي". وتقرّ نجية: "أخاف من تكرار اعتقالي وحرماني من أطفالي، خصوصاً ابنتي الرضيعة".
ويقول يوسف من جهته مستنكراً: "شو هالحكي! ممنوع على طفلة أن ترضع من أمّها إذا كانت تخضع لتحقيق. هذا الموقف لن يفارقني طالما حييت. فأنا كنت جدا متوتّرا، البنت تبكي بين يدَيّ وأمّها محبوسة، ولا أعرف ما هو مصيرها".