الإفطار على البحر متعة المغاربة في رمضان
يعتبر تناول وجبات الإفطار على الشواطئ منذ سنوات من مظاهر استقبال المغاربة لشهر رمضان والذين تستهويهم هذه العادة لا سيما من يقطنون في المدن الساحلية، باعتبارها تكسر الروتين اليومي وتروّح عن النفس، وتجلب المتعة الكبيرة في أجواء تمزج بين سحر البحر الذي لا ينتهي، والروحانية الفريدة التي تواكب الشهر.
تتوافد عائلات كثيرة خلال شهر الصيام إلى شاطئ مدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط، مستفيدة من موقعه وسهولة الوصول إليه. وقد اختار الموظف محمد الحسناوي أن يدعو أحد أصدقائه لمشاركة عائلته الصغيرة وجبة إفطار، في تقليد رمضاني أصبح يحرص على تنفيذه سنوياً، وهو يقول لـ"العربي الجديد": "اعتدت منذ أربع سنوات على تناول الإفطار برفقة أسرتي في أحد أيام شهر رمضان على شاطئ البحر. واخترنا اليوم شاطئ مدينة سلا كي نستعيد أجواء رمضان التي غابت عنا طوال عامين بسبب أزمة كورونا وتدابيرها الاحترازية القاسية، ونتطلع إلى اقتناص لحظات حميمية مع الأهل والأصدقاء من أجل كسر الروتين والترويح عن نفسنا".
يتابع الحسناوي: "يجلب الإفطار على شاطئ البحر في مدينة سلا متعة لا يعرفها سوى من جربها، تشمل انتظار مدفع الإفطار ومتابعة لحظات الغروب المميزة ومشاهد قصبة الأوداية التاريخية وباقي المعالم السياحية والمياه الزرقاء، وممارسة الرياضة واصطياد الأسماك قبل الإفطار، واللعب مع الأولاد بدلاً من الاسترخاء في البيت ومتابعة المسلسلات الرمضانية. هذه الميزات لا تقدر بثمن، لا سيما أن الأمر لا يكلّف أكثر من 50 درهماً (نحو 5 دولارات) كحد أقصى لاستئجار كراس وطاولات بلاستيكية".
وقبل نحو ساعتين من موعد الإفطار، يتحوّل شاطئ سلا إلى المكان المفضل للعديد من الأسر والأصدقاء وزملاء العمل والدراسة الذين لا يهتمون بعناء نقل الأغراض المخصصة للإفطار وحجز مكان وطاولة طعام، بل بقضاء لحظات جميلة في الاستمتاع بأجواء الغروب المميزة وأمواج البحر من دون أن يمنعهم ذلك من العبادة وعيش الأجواء الروحانية لشهر رمضان.
ويعلّق الحسناوي: "رفع أذان المغرب من أجمل اللحظات التي نقضيها على الشاطئ حيث يمتزج صوت التكبيرات من مساجد سلا وقصبة الأوداية وضريح حسان بصوت أمواج البحر، وكذلك مشهد تأدية الصلاة الجماعية على رمال الشاطئ قبل التوجه إلى المسجد القريب من الشاطئ لأداء صلاة العشاء، ثم التراويح".
وبينما تبدو السعادة واضحة على وجوه أطفال الحسناوي وزوجته وصديقه لنجاحهم في حجز مكان يطل على مصب وادي أبي رقراق بالمحيط الأطلسي، تسارع فاطمة الزهراء اليحياوي الخطى للالتحاق بشقيقاتها وابنة عمها على الشاطئ من أجل ترتيب مكان الإفطار، بعدما قرروا تناول وجبة الإفطار خارج المنزل، واختاروا شاطئ سلا بدلاً من مطاعم العاصمة كي ينعموا بالمتعة والسكينة، خاصة أن جو الشاطئ يبعث الهدوء ويناسب الاسترخاء.
تقول فاطمة الزهراء لـ"العربي الجديد": "نعد عادة وجبة الإفطار في البيت، ونحضر معنا ما نحتاجه من أوان ومستلزمات، لكن الأهم بالنسبة لنا هو الاستمتاع بأجواء ذات نكهة خاصة تنسينا همومنا ومشاغلنا. نشعر بالمتعة ويشاركنا عشرات الأشخاص في وجبة الإفطار على طول الشاطئ". وتتابع: "نستمتع كثيراً بوجودنا على شاطئ سلا، خاصة أننا نكمل السهرة الرمضانية في مكان غير بعيد عن الشاطئ في مارينا أبي رقراق التي تعتبر الوجهة المفضلة للعديد من سكان العاصمة المغربية الرباط ومدينة سلا، من أجل قضاء سهرة رمضان في أجواء تنسيهم ضغوط الحياة والعمل.
ولا ينحصر الاستمتاع بسحر البحر في رمضان وتناول وجبة الإفطار على الشاطئ بالعائلات، بل يشمل الشبان الأصدقاء وبينهم حمزة البوعناني الذي يقول لـ"العربي الجديد"، إن "الحضور الكثيف للشباب يخلق جواً مميزاً لا يمكن أن يتوفر في البيت، وشاطئ البحر بمدينة سلا هو المكان الذي أستطيع القدوم إليه برفقة زملائي في الفصل، من دون عناء أو كلفة باهظة". ويلفت البوعناني إلى أن الشباب يحاولون إيجاد مساحات من الفرح والتسلية والشعور بأجواء شهر رمضان المبارك تختلف عن تلك الموجودة في البيوت من خلال لعب كرة القدم قبل موعد الإفطار، وإعداد الطعام بأنفسهم، ومناقشة مواضيع لا يتحدثون بها مع أفراد أسرهم أثناء متابعتهم البرامج الرمضانية.
وبينما توجد عشرات الأسر المغربية ومجموعات الشباب على شاطئ سلا مع اقتراب غياب الشمس وأذان صلاة المغرب تمهيداً لتناول الإفطار، يتحين بعض الشبان العاطلين من العمل فرصة البحث عن لقمة العيش من خلال تأجير الكراسي والطاولات بأسعار تراوح بين 10 و30 درهماً (دولار واحد و3 دولارات)، وتهيئة مساحات لجلوس الصائمين. ويقول أحدهم، ويدعى محمد، لـ"العربي الجديد": "يوفر الإقبال المتزايد على الإفطار على شاطئ البحر فرصة جيدة لي لكسب بعض المال وتأمين القوت لعائلتي"، يضيف: "أمارس هذا النشاط في شهر رمضان لأنه مطلوب بشكل كبير من زبائن ينتمون إلى شرائح اجتماعية مختلفة، تشكل الأسر والشباب نسبة كبيرة منهم. وهذه الفرصة تسمح لي بمساعدة عائلتي في هذا الشهر من خلال جني بعض المصروف".