يعمد بعض صيّادي شمالي مصر إلى بيع الأسماك قبل اصطيادها. ويقول صيادون في منطقة الميناء الشرقي بالإسكندرية إن البعض يعرض بيع الأسماك للزبائن قبل الخروج في رحلات الصيد البحرية، أو بمجرد رمي الشباك في مياه البحر، على أن يتقاضوا المبالغ المالية المتفق عليها مقدماً من الزبائن الذين يتطلعون للحصول على الأسماك الطازجة والمأكولات البحرية.
وتنطوي هذه العملية على مخاطر ومشاكل عدة. ففي حال عدم صيد كميات وأنواع تتوافق مع المبالغ المالية التي تقاضوها من الزبائن، قد يتم توجيه اتهامات للصيادين بالغش والنصب، ما يتسبب في تدهور سمعة صيادي الإسكندرية ويؤثر سلباً على سوق الأسماك.
يقول أحد صيادي ميناء الإسكندرية الشرقي أحمد محمد، لـ "العربي الجديد"، إن الأمر بدأ بتجربة عبثية لأحد الصيادين، اتفق من خلالها مع زبون على تقاضي مبلغ معين قبل بدء عملية الصيد، على أن يلقي بعدها شباكه ويتبع الإجراءات الطبيعية للصيد بإتقان شديد، ثم يسحب الشباك على أن يحصل الزبون على الأسماك مهما كانت كمياتها وأنواعها.
يضيف: "أعجب الزبون بالفكرة وكان حظه جيداً، وحصل على أسماك كلفتها أكبر من الذي دفعه، وهو ما دفعه لتكرار الاتفاق. واصطحب أقاربه وأصدقاءه، وبدأ الأمر يزداد ويجذب أعداداً أكبر من الأهالي وزوار الإسكندرية".
من جهته، يقول أحد صيادي منطقة المندرة شرق الإسكندرية عبد الرزاق السيد، إن الفكرة تطورت وأصبح لها أشكال عدة. ويتفق بعض الزبائن اتفاقاً جماعياً مع الصياد، ويدفعون له مبلغاً مالياً قبل أن يذهب إلى الصيد، في مقابل شراء كامل إنتاج يومه من الأسماك. ويشير إلى أن النتائج تكون أحياناً في صالح الزبون، وأحياناً أخرى في صالح الصياد.
يتابع أن الصياد يحب هذه الاتفاقيات، وغالباً ما يستفيد منها ويضمن بيع إنتاجه من دون الحاجة إلى التفاوض مع الباعة في الأسواق، والذين غالباً ما لا يعطون الصياد حقه، عدا عن ضمان سرعة البيع وزيادة عدد مرات الصيد في اليوم الواحد، ما يضمن له رزقاً أكبر.
أما الطبيب وأحد مصطافي الإسكندرية (51 عاماً) أحمد شاكر، فيقول إنه وبعض أصدقائه يقبلون على الاتفاق مع الصيادين وشراء "سمك في ميّة (مياه)". ويلفت إلى أن متعة الربح الوفير جميلة، وتشبه الرهانات وأوراق "اليانصيب" القديمة. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه اعتاد إجراء اتفاقات مسبقة مع الصيادين، وغالباً ما تكون مُرضية، إذ يحصل الزبون على كميات وفيرة وأنواع متنوعة لا يستطيع شراءها من السوق بأقل من 3 أضعاف السعر الذي يحصل عليه الصياد.
من جهته، يقول أحد الصيادين في منطقة أبي قير عماد عبد البر: "نتفهم رغبة الناس في الحصول على الأسماك الطازجة بكميات كبيرة وبأقل مقابل مالي ممكن، ونتفهم أيضاً روح المغامرة التي تسعدهم كثيراً، وخصوصاً المصطافين الذين يرون في الموضوع كله تجربة، لكن يجب أن يتم ذلك بشكل مسؤول. ولا يمكن أن نتحدى الطبيعة ونبيع ما لم نصطده بعد، ويجب أن نحمي سمعة مهنتنا ونحافظ على مصداقية عملنا". يضيف أن "العقد شريعة المتعاقدين. وبالتالي ليس من حق أي من الطرفين، الصياد أو الزبون، التراجع عن الاتفاق بعد صيد السمك من المياه، أو محاولة تعديل السعر وفقاً للكميات أو الأنواع. ولكنني لا أنصح بعقد هذا النوع من الاتفاقات بسبب ما تجره بعدها من مشاجرات محتملة، ويفضل أن يتعامل الزبون مع الصيادين الموثوق بهم".
من جهته، يقول شيخ الصيادين في الإسكندرية أشرف رزيق، إن عملية بيع الأسماك قبل اصطيادها تهدّد عملية الصيد التقليدية في الإسكندرية، وتقوض النظام المعتمد لاصطياد الأسماك وتوزيعها على الأسواق، وقد يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة بين المستهلكين، ويؤثر على رواتب الصيادين الأمناء. يضيف: "على الرغم من الفوائد التي قد يحققها أحد طرفي الاتفاق، إلا أن بيع الأسماك قبل اصطيادها يثير تساؤلات قانونية وأخلاقية. فبيع منتج لم يتم الحصول عليه بعد يعتبر خداعاً واحتيالاً وينتهك مبادئ التجارة العادلة ويؤذي سمعة مجتمع الصيادين بشكل عام". ويوضح رزيق: "يواجه الزبائن الذين يشترون الأسماك مسبقاً مخاطر عند التعامل مع صيادين غير موثوق بهم. وليس هناك ضمانة بأن الصيد الموعود سيتم تسليمه، ما يؤدي إلى خسائر مالية محتملة للمشترين". وفي ما يتعلق بالإجراءات الحكومية، يقول أحد أعضاء الغرفة التجارية إن هذه الاتفاقيات تتسم بكونها حرة ولا تخضع لشكل قانوني محدد. مع ذلك، من الضروري رفع مستوى الوعي بين الصيادين والمستهلكين، وتوضيح عواقب عدم رضى أحد الطرفين عن نتائج الاتفاق على سمعة الصياد الشخصية ومهنة الصيد بشكل عام".