دفعت سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان بعد دخول العاصمة كابول، في العام الماضي، شرائح كثيرة من بينها العاملون في الوظائف الحكومية وفي المؤسسات الدولية للتوجّه صوب باكستان المجاورة، خطوة أولى في طريق المغادرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، أو أي من الدول الأوروبية.
بعض هؤلاء وصلوا إلى الأراضي الباكستانية بشكل قانوني، لكن انتهت فترة بقائهم المحددة، وآخرون جاؤوا بلا أوراق أو مستندات، وثمة شريحة أخرى هي المرضى الذين يذهبون إلى باكستان من أجل تلقي العلاج، ومعظمهم بلا أوراق.
كل هؤلاء، خاصة من يعيشون بشكل غير قانوني، أو ليست لديهم وثائق مثل جواز السفر أو التأشيرات، يواجهون ضغوطاً خلال الأيام الحالية لم يشهدها اللاجئون الأفغان خلال العقود الأربعة الماضية، إذ سجن المئات منهم، وتعرّض بعضهم للضرب، حتى النساء وكبار السن، وتظهر مقاطع فيديو وصور متداولة تعرّض الأفغان للكثير من الانتهاكات في باكستان، وهو ما يوثقه ناشطون عبر منصات التواصل الاجتماعي، معظمهم من المنتمين إلى حركة "حماية البشتون" الناشطة على الحدود الأفغانية الباكستانية.
من جانبها، لا تبدي الحكومة الباكستانية سياسة واضحة في هذا السياق، وقال النائب من العرقية البشتونية القيادي السابق في حركة "حماية البشتون"، محسن داور، في كلمة خلال جلسة للبرلمان في 15 من الشهر الجاري، إن "المشكلة الأساسية هي عدم وجود سياسة واضحة حيال اللاجئين الأفغان، فالحكومة الباكستانية فتحت منفذ (سبين بولدك) أمام الأفغان، وتسمح لهم بالدخول من دون أوراق، وعندما يدخلون إلى الأراضي الباكستانية يجري التعامل معهم كأنهم حيوانات، ونشاهد طوابير كبيرة لأشخاص رُبطوا بحبل واحد، ويجري زجهم في السجون".
ويطالب داور الحكومة الباكستانية باتباع سياسة مناسبة وواضحة حيال اللاجئين الأفغان، فإما لا تسمح لهم بالدخول بدون أوراق، وإما تعاملهم بطريقة إنسانية لائقة طالما تسمح لهم بالدخول.
وفي وقت سابق، أكدت الخارجية الأفغانية، قلقها الشديد إزاء ما يجري، وأعربت عن أملها في تغيير الحكومة الباكستانية طريقة تعاملها مع اللاجئين الأفغان، ومعظمهم من المرضى الذين يذهبون لتلقي العلاج، مؤكدة في بيان، أن "الأفغان يعيشون في باكستان منذ عقود، ولهم دور كبير في تطوير الاقتصاد، وعلى إسلام أباد أن تدرك ذلك، ولا تتخذ أي خطوة قد تؤدي إلى توتر العلاقات بين الدولتين".
وشدد البيان على أن أفغانستان تأخذ التعامل السيء مع اللاجئين على محمل الجد، وأنه لا يمكن التهاون في هذه القضية، ولكنها في الوقت نفسه تريد التوصل إلى حل عبر القنوات الدبلوماسية، وتطلب من باكستان أن تعامل الأفغان وفق القوانين الدولية للاجئين.
اعتقلت السلطات الباكستانية مئات اللاجئين الأفغان وتعرّض بعضهم للضرب
التقى وزير المهاجرين في حكومة طالبان، حاجي خليل الرحمن حقاني، القائم بأعمال السفير الباكستاني في كابول، عبيد الرحمن نظاماني، خلال الأسبوع الماضي، وقال الناطق باسم الوزارة، عبد المطلب حقاني، لـ"العربي الجديد"، إن الوزير طلب من المسؤول الباكستاني، أن تراجع إسلام أباد سياساتها مع الأفغان، خصوصاً من يذهبون لتلقي العلاج ممن تعجز المستشفيات الأفغانية عن تقديم العلاج لهم، كمرضى السرطان.
وأضاف حقاني أن "الوزارة لم تألُ جهداً في رفع القضية عبر المنصات المختلفة، ولا تزال تتفاوض مع الجهات الباكستانية، ونتيجة لتلك المفاوضات جرى الإفراج عن أكثر من 300 لاجئ معتقل في سجون مدينة كراتشي"، مشيراً إلى أن "العدد الرسمي للمعتقلين الأفغان في سجون باكستان هو 1400 شخص، وكثيرون منهم دخلوا إلى الأراضي الباكستانية بشكل غير قانوني، وبعضهم ليس عنده جواز سفر، ولا يملك تأشيرة دخول".
ويقول الناشط الباكستاني من عرقية البشتون، سميع الله وزير، لـ"العربي الجديد"، إنه يتابع موضوع اللاجئين الأفغان المعتقلين في مدينة كراتشي، وإن العدد أكبر من الرقم المعلن رسمياً، وكل من أُفرج عنهم أُخذ منهم ما لديهم من أموال، حتى النساء أخذوا منهن الذهب قبل الإفراج عنهن، وأوضاع الأفغان في سجون كراتشي صعبة للغاية، فالكثيرون منهم دخلوا بشكل غير شرعي، وهناك من ليست لديهم أوراق رسمية، والسلطات الباكستانية تسمح لهم بالدخول، ثم تقوم باعتقالهم، وعدد كبير من المعتقلين من النساء والأطفال، وبعضهم يتعرّضون للضرب والتعنيف، والقنوات الدبلوماسية ليست مجدية، ومن يُفرج عنه بعد أخذ أمواله يجري ترحيله إلى بلاده".
في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وقع حادث على الحدود بين الدولتين، تحديداً في منفذ "سبين بولدك"، ورغم أن الواقعة لم تكن كبيرة، لكن كانت لها دلالات كبيرة.
أغلقت باكستان الحدود أمام حركة الأفراد والتجارة وتسمح للمرضى فقط بالعبور
ما جرى أن عنصراً كان يرتدي ملابس مسلحي طالبان على الحدود عند "سبين بولدك"، حيث تسمح باكستان بدخول الأفغان من دون أوراق، دخل فجأة إلى الأراضي الباكستانية، وأطلق النار على عنصر من قوات الحدود الباكستانية، فقتله، ثم دخل إلى المكاتب الباكستانية، وأطلق النار على كل الموجودين، ثم ولى هارباً نحو الأراضي الأفغانية، ولاحقاً أعلنت طالبان أن هذا الشخص "هرب بين حشود المواطنين"، وأنه لا ينتمي إلى عناصر الحركة.
بعدها، نشبت مواجهات عنيفة بين الطرفين طيلة ذلك اليوم، وأغلقت الحدود، ويتواصل إغلاقها باستثناء السماح للمرضى بالدخول، حتى لو كانوا لا يملكون أوراقاً، لكن ظلت الحدود مغلقة في وجه الحركة التجارية ودخول الأشخاص المعتاد.
وفي 16 من الشهر الجاري، ظهر المهاجم، والذي يطلق عليه اسم أحمد بلال، وكان معه أشخاص آخرون، وكان يحاور أحدهم، ويقول إنه فعل ذلك لأن قوات الحدود الباكستانية كانت تؤذي اللاجئين الأفغان، بعد أن تسمح لهم بالدخول، ومن بينهم كبار في السن وأطفال ونساء، مدعياً أن القوات الباكستانية تتحرش بالنساء الأفغانيات؛ وإنه قام بذلك للانتقام منهم.
وأكد بلال أنه سيواصل مع أنصاره معاقبة الباكستانيين طالما لا يحترمون اللاجئين الأفغان، وطالما لا يحترمون النساء وكبار السن، داعياً كل الشباب الأفغان والباكستانيين من البشتون والبلوش إلى الانتفاض ضد من وصفهم بالنجابيين (أكبر العرقيات في باكستان)، والجهاد ضدهم من أجل الدفاع عن الحرمات.
من جانبها، تصر باكستان على أن الحدود ستظل مغلقة في وجه الحركة التجارية حتى تسلّم طالبان المهاجم إليها، إذ تظن أن الأمر حصل من جانب طالبان، أو بدعم منها، فالتسجيل المصور الذي بثته القوات الباكستانية يظهر الرجل وهو يقف إلى جانب القوات الأفغانية، قبل أن يطلق النار فجأة على القوات الباكستانية.
قبل الحادث بيومين، ادعت امرأة أفغانية في تسجيل مصور، أن جندياً باكستانياً حاول التحرش بها ولمس أعضاء جسدها خلال التفتيش، مناشدة الأفغان الدفاع عنها، ما يجعل كثيرين ينسبون الواقعة إلى كونها انتقاماً، ومن المعروف أن الأفغان لا يتركون الثأر في مثل هذه القضايا.
بعد أن أغلقت السلطات الباكستانية الحدود، نشرت جهات مجهولة تسجيلات مصورة لقوات طالبان وهي تقطع السياج الحدودي، أو تدمره بواسطة حافلات، ويقول مسلحون في تلك التسجيلات إنه آن الأوان لإزالة هذا السياج.
ويرى البعض في هذه المقاطع المصورة رسالة مفادها أنه حتى لو كانت الحدود مغلقة، فإن قبائل البشتون التي تقطن على طرفي الحدود بإمكان أفرادها الحركة، حتى لو كان ذلك من خلال إزالة السياج، وأنها لن تكون مضطرة للعبور من المنافذ المخصصة.