استمع إلى الملخص
- التحديات النفسية والتعليمية: النزاع المستمر أدى إلى تدمير البنية التحتية للتعليم، مما حرم الأطفال من فرص التعليم وأدى إلى اضطرابات نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة.
- الجهود الإنسانية والمطالب الدولية: منظمات محلية ودولية تقدم الرعاية والمساعدات، لكن الجهود غير كافية. هناك دعوات لتعزيز حماية الأطفال وتوفير التعليم المؤقت ومساءلة الجهات المسؤولة عن الهجمات.
كثرٌ هم الأطفال الذين انخرطوا في سوق العمل بالمنطقة الصناعية في مدينة سرمدا شمال غربي سورية، لمساندة عائلاتهم في توفير لقمة العيش. وهؤلاء الصغار وقعوا ضحية الحياة القاسية في مخيمات النازحين، بعد تهجيرهم وعائلاتهم من مدنهم وقراهم وحرمانهم من أدنى مستويات الاستقرار، علماً أنّهم اليوم يعملون لقاء أجور زهيدة بعدما اضطروا إلى ترك المدرسة، مع الإشارة إلى أنّ ثمّة أملاً بعودتهم إليها رغم كلّ شيء.
في إحدى ورش تصليح السيارات، يعمل الطفل أحمد عبد الحيّ المهجّر من مدينة معرّة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، في وقت لا يخفي أمله بالعودة إلى مقاعد الدراسة. يقول لـ"العربي الجديد": "أقيم في مخيم الكمونة (ريف إدلب) وأعمل لمساعدة والدي في تأمين مصروف العائلة". يضيف: "أعمل من الساعة السابعة صباحاً حتى السابعة مساءً، وقد تركت المدرسة لأتعلّم مهنة"، آملاً أن "أساعد أهلي وأتمكّن من العودة إلى المدرسة". ويؤكد: "أرغب في العودة إلى المدرسة وفي أن أصبح مدرّساً"، مشيراً إلى أنّ "دوام العمل هنا طويل".
بدوره، وقع الطفل حسن الغسان ضحية عمالة الأطفال في الشمال السوري، بعدما نزح مع عائلته من ريف حلب الجنوبي. يخبر "العربي الجديد" أنّه كما أحمد عبد الحيّ يعمل في مجال ميكانيك السيارات. يضيف: "نحن ثمانية أفراد في عائلتنا، وقد تركت المدرسة لأساعد أهلي"، لافتاً إلى أنّ دوام عمله يبدأ في الساعة السابعة صباحاً وينتهي في الخامسة عصراً.
وعدم قدرة العائلات على توفير المتطلبات الأساسية للحياة، بما فيها الغذاء اليومي ومتطلبات المعيشة الأخرى، من الأسباب الأكثر إلحاحاً التي أرغمت الأطفال على العمل مدفوعين من قبل أهلهم، الأمر الذي يجعلهم ضحية للاستغلال في ظلّ ظروف قاهرة.
في السياق نفسه، يتحدّث الطفل محمد نور فوزي الكردي، المهجّر من معرّة النعمان، عن وضع عائلته. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "والدتي متوفاة ووالدي كبير في السنّ. وأنا أعمل في مجال ميكانيك السيارات لمساعدة عائلتي". ويشير: "أنا أحبّ المدرسة وأتمنّى العودة إليها. فأنا أحبّ أن أكون مثقفاً".
أمّا الطفل كنان كنان محمد الحسين، المقيم في مخيم الطيبة بريف إدلب، فهو أوفر حظاً من الأطفال الآخرين الذين التقاهم "العربي الجديد". فقد أُتيحت له فرصة حضور حصص دروس إلى جانب عمله، لكنّه يقول إنّ "التعليم سيّئ في الخيام. وقد وزّعوا علينا ثلاثة كتب". ويتابع: "أتمنّى أن أصبح طبيباً عندما أكبر".
85% من الأطفال العمّال منخرطون في مهن شاقة
وبمناسبة يوم الطفل العالمي، يوضح مسؤول الحماية لدى منظمة "حرّاس الطفولة" ناصيف ناصيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الأطفال في سورية يعانون من أزمة متواصلة منذ نحو 14 عاماً. وفي الوقت الراهن، ثمّة أكثر من 1.2 مليون طفل يتيم في حاجة إلى خدمات خاصة، وثمّة 320 ألف طفل متسرّب من التعليم". يضيف أنّ "85% من الأطفال العمّال منخرطون في مهن شاقة ومؤذية لهم"، مشيراً إلى أنّ "المنظمات تبذل جهوداً كبيرة للمساعدة في كفالة الأيتام وإدارة الحالات وأنشطة الدعم النفسي وتعزيز مرونة الأطفال، في وقت إنّ الكارثة في الواقع أكبر من جهود هذه المنظمات وقدرتها". ويشدّد ناصيف على أنّ "أطفالنا اليوم في حاجة إلى تكاتف المجتمع الدولي ككلّ لمساعدتهم وانتشالهم من الواقع الذي يعيشونه".
من جهته، يتحدّث المسؤول عن الصحة النفسية والدعم النفسي-الاجتماعي لدى منظمة "حراس الطفولة" كمال صوان عن واقع الأطفال في الوقت الراهن. ويشرح لـ"العربي الجديد" أنّ "النزاع المستمرّ يتسبّب في دمار شامل للبنية التحتية الخاصة بالتعليم وبقطاعات الرعاية الصحية". ومن هنا، نجد أنّ آلاف الأطفال فقدوا فرصهم في التعليم، إمّا بسبب دمار المدارس وإمّا بسبب استخدامها ملاجئ للنازحين الهاربين من القصف والنزاع".
ويفيد صوان بأنّ "منطقة شمال غربي سورية شهدت هجمات على المدارس، وقد سُجّلت زيادة ملحوظة في الأشهر الاثنَي عشر الماضية، ولا سيّما على أثر التصعيد العسكري في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023، إذ تضرّرت أو دُمّرت 27 مدرسة في شمال سورية وفقاً لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية". يضيف أنّ "منذ ذلك التصعيد، وثّقت فرق الرصد لدينا ما مجموعه 47 هجوماً على 40 مدرسة، أسفرت عن مقتل طفل ومدرّسة وإصابة تسعة أطفال ومدرّس بجروح. وفي عام 2024 وحده، وثّقنا ما مجموعه 15 هجوماً على 14 مدرسة في شمال غربي سورية".
وعلى الصعيد النفسي، يبيّن صوان أنّ "التعرّض المستمرّ للعنف يتسبّب في شعور دائم بالخوف والقلق لدى الأطفال، فهم لا يشعرون بالأمان في المدرسة خشية وقوع غارات جوية. وتؤدّي هذه الأحداث الضاغطة المستمرّة إلى اضطرابات نفسية مختلفة لدى الأطفال، من بينها ما هو طويل الأمد، بما في ذلك اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق. ويؤثّر ذلك بصورة حادة على صحتهم النفسية واستقرارهم العاطفي".
ويتابع صوان أنّ "إلى جانب ذلك، فإنّ فقدان الأصدقاء وأفراد من العائلة والمنازل من شأنه أن يزيد من حدّة التوتّر ويفاقم العزلة الاجتماعية. ومن خلال عملنا مع الأطفال في الأعوام الأربعة الماضية، رصدنا شكاوى متنوّعة تراوحت بين مشكلات متوسّطة وأخرى شديدة، الأمر الذي استدعى تدخّلات مباشرة من أطباء متخصّصين في الأمراض النفسية والعقلية وإحالات إلى منشآت صحية تُعنى بهذه الأمراض".
جهود إنسانية لمواجهة واقع الأطفال الأليم
وتعمل منظمات إنسانية محلية ودولية لتقديم الرعاية المباشرة للأطفال، وفقاً لصوان، وذلك "من خلال إنشاء مراكز حماية توفّر بيئة آمنة للتعلّم واللعب. كذلك تسعى منظمات عدّة إلى توزيع مساعدات غذائية وإنسانية للتخفيف على العائلات الفقيرة. تُضاف إلى ذلك برامج إعادة تأهيل، من قبيل إدخال الأطفال في برامج تعليمية مكثّفة، وتنظيم أنشطة تربوية تنموية وترفيهية تعزّز الثقة بالنفس وتعيد بناء مهاراتهم الاجتماعية".
ويرى المسؤول عن الصحة النفسية والدعم النفسي-الاجتماعي لدى منظمة "حراس الطفولة" أنّ "على الرغم من ذلك، تبقى الجهود غير كافية في ظلّ الهجمات المتواصلة على شمال غربي سورية. لذلك، يجب على الدول والمنظمات الدولية بذل جهود دائمة لتحقيق الحماية والأمان للأطفال، ولا سيّما في المناطق التي تشهد نزاعات. كذلك لا بدّ من التركيز على التصدّي للهجمات ضدّ المدارس، والمطالبة بالمساءلة أمام الهيئات الدولية ذات الصلة، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان".
ويحثّ صوان على "تعزيز دور المجتمعات المحلية في حماية الأطفال من خلال توفير مدارس مؤقّتة أو فصول تعليمية في المخيمات، والعمل على حماية المدارس والأطفال. كذلك يجب وضع قوانين وبرامج تهدف إلى الحدّ من عمالة الأطفال وتنظيم حملات توعية للعائلات بأهمية حماية الأطفال وتعليمهم، مع دعمها اقتصادياً من خلال تنفيذ مشاريع تنموية تساعدها في تحقيق دخل مستقرّ من دون الحاجة إلى دفع الأطفال إلى سوق العمل".
يفيد فريق "منسقو استجابة سورية"، في بيان أصدره اليوم الأربعاء، بأنّ أكثر من 2.3 مليون طفل يعانون من التسرّب التعليمي في سورية، من بينهم 386 ألف طفل في شمال غربي البلاد، علماً أنّ 84 ألفاً منهم في مخيمات النازحين. يضيف أنّ الهجمات المسلحة أدّت إلى خروج أكثر من 891 مدرسة عن الخدمة، من بينها 266 منشأة تعليمية في شمال غربي البلاد في الأعوام الثلاثة الماضية. ويوضح الفريق أنّ عمالة الأطفال تمثّل "الهاجس الأكبر في مخيمات النازحين"، إذ تتجاوز نسبة الأطفال العاملين من ضمن الفئة العمرية 14-17 عاماً 37% من إجمالي عدد الأطفال فيها.