منذ لحظة اعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي الأسير ماهر الأخرس (49 عاماً) بعد مداهمة منزله في قرية سيلة الظهر، جنوب جنين، شماليّ الضفة الغربية في فلسطين المحتلة، فجر 27 يوليو/ تموز الماضي، وهو مضرب عن الطعام، ويمتنع عن تناول مواد دعم البقاء حتى، احتجاجاً على انتزاعه من أحضان عائلته، التي لم يكد يعود إليها بعد سلسلة طويلة من الغيابات في السجون خلال السنوات القليلة الماضية.
لم يزر أيٌّ من أفراد العائلة ماهر منذ لحظة اعتقاله. تقول زوجته، تغريد الأخرس لـ"العربي الجديد": "أبلغ ماهر الضابط الإسرائيلي المسؤول عن الوحدة العسكرية التي اعتقلته أنّه مضرب عن الطعام منذ تلك الدقيقة، ولن يتراجع حتى ينال حريته أو شهادته". تغريد، أم إسلام، تشير إلى أنّ زوجها ذو عزيمة وقدرة على الصمود والتحدي، وهو لن يستسلم أو يستكين: "قال للجنود: لماذا تعتقلونني؟ لم أفعل شيئاً، هذا عقاب لن أجعله يمرّ، سأرفضه بكلّ قوة وعزيمة". وبعد أيام من اعتقاله، أصدرت سلطات الاحتلال قراراً بتحويل ماهر إلى الاعتقال الإداري لمدة أربعة أشهر قابلة للتمديد، وهو ما جعله يزداد إصراراً على الاستمرار في إضرابه عن الطعام.
لكن بعد هذه المدة الطويلة على خوضه معركة الأمعاء الخاوية، يعاني الأخرس من وضع صحي خطير، وانتكاسات صحية متتالية، إذ لم يعد يقوى على الوقوف نهائياً، ويمضي يومه نائماً، بالإضافة إلى فقدانه القدرة على الكلام والتركيز، والأخطر غيابه عن الوعي مراراً. وفي رسالة إلى عائلته أرسلتها المحامية أحلام حداد التي زارت الأسير الأخرس، الأربعاء الماضي، واطلعت عليها "العربي الجديد"، جاء فيها: "وضع ماهر سيئ إلى أبعد الحدود، يواجه ظروفاً صحية صعبة وخطيرة، إذ تحتجزه سلطات الاحتلال في مستشفى كابلان الإسرائيلي". وتصف المحامية حداد حالة الأسير الأخرس، بقولها: "الرؤية لديه مشوشة، ليس باستطاعته النظر، لا تركيز في التفكير والكلام، يغيب عن الوعي كثيراً، لكن لفترات قصيرة، كذلك يفقد التركيز، يعاني من سرحان (شرود الذهن) طويل، أما بخصوص السمع، فهو ضعيف، هناك تقرحات في الفم وأوجاع في أنحاء جسده كافة، ويعاني من ضغط على الصدر، ودوخة شديدة وفقدان حاد بالوزن، لا قدرة على التحرك، ويلازم السرير على مدار 24 ساعة". وتمضي حداد في وصفها حالة الأخرس، قائلة: "يصعب عليه أن يجد الكلمة ليقولها، هناك تشتت ملحوظ، يقول لي إنّه يشعر مراراً بأنّه لا يعرف أين هو، ويفقد القدرة على الكلام". بينما أخطر ما ورد في رسالة حداد هو الكشف عن الضغوط الشديدة التي يتعرض لها الأخرس لوقف إضرابه عن الطعام، فقد جاء فيها: "أبلغني أنّ هناك ضغطاً عليه لوقف خطوته تلك من الأطباء - الإسرائيليين - والسجانين، وهو يشعر بأنّهم من طرف المخابرات الإسرائيلية، لكنّه لم يستجب لتلك المحاولات. مع كلّ هذا، فهو يرسل سلامه لكم جميعاً، للكبير والصغير، ويقول لكم: كان الله بعوني، الثبات الثبات، ولن أتراجع".
ومنذ شروعه في الإضراب، تعرّض الأسير الأخرس لعمليات نقل متكررة، في محاولة لإنهاكه وثنيه عن الاستمرار، إذ احتُجِز بدايةَ اعتقاله في معتقل "حوارة" المقام على أراضٍ في جنوب نابلس، شمالي الضفة الغربية، ثم نُقل إلى زنازين سجن "عوفر" غربي رام الله، وسط الضفة الغربية، إلى أن نُقل إلى سجن "عيادة الرملة" بعد مرور نحو ثلاثين يوماً على إضرابه، وأخيراً إلى مستشفى "كابلان" الإسرائيلي نتيجة التدهور الكبير في صحته.
وتواصل سلطات الاحتلال تطبيق سياسة الاعتقال الإداري (بلا تهمة) ضد الفلسطينيين، دون تقديمهم للمحاكمة، ومن دون الإفصاح عن الاتهامات الموجهة إليهم، ومن دون السماح لهم أو لمحاميهم بمعاينة المواد الخاصة بالأدلة، في خرق واضح وصريح لبنود القانون الدولي الإنساني، لتكون إسرائيل الجهة الوحيدة في العالم التي تمارس هذه السياسة. وتتذرع سلطات الاحتلال وإدارات سجونها بأنّ للمعتقلين الإداريين ملفات سرية لا يمكن الكشف عنها مطلقاً؛ فلا يعرف المعتقل مدة محكوميته أو التهمة الموجهة إليه. وغالباً ما يتعرض المعتقل الإداري لتجديد مدة الاعتقال أكثر من مرة لمدة ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو ثمانية، وقد تصل أحياناً إلى سنة كاملة، لدرجة أن هناك من قضى أكثر من أربع سنوات رهن الاعتقال الإداري.
سجل اعتقالات طويل
لدى ماهر الأخرس سجل طويل من الاعتقالات، بدأت عام 1989، واستمر اعتقاله يومها سبعة أشهر، والمرة الثانية عام 2004 لمدة عامين، ثم أُعيد اعتقاله إدارياً عام 2009 لمدة 16 شهراً، ومجدداً اعتقل عام 2018 واستمر اعتقاله لمدة 11 شهراً، وصولاً إلى الاعتقال الأخير، والمستمر منذ يوليو/ تموز الماضي.