الأرق العظيم... النوم المفقود للصينيين يدرّ ملايين

14 يناير 2023
يفتقد عاملون كثيرون في الصين النوم المنتظم (نويل سيليس/ فرانس برس)
+ الخط -

أظهرت دراسة حديثة أعدها المركز الصيني للصحة النفسية في العاصمة بكين أن نصف المواطنين الـ 1.4 مليار يعانون من اضطرابات في النوم. وأوردت: "في وقت يقضي معظم الناس حوالي ثلث يومهم في النوم، يشعر آخرون بأنهم يقضون نفس الوقت في محاولة النوم". 
وانخفض متوسط ساعات نوم الصينيين 1.5 ساعة، وصولاً إلى 7 ساعات يومياً عام 2021، مقارنة بـ8.5 ساعات عام 2012. وبين أكثر من 8 آلاف شخص شملتهم الدراسة وتراوحت أعمارهم بين 18 و70 عاماً، قال 35 في المائة منهم إنهم حصلوا على مقدار النوم الموصى به، وهو 8 ساعات. 
وأظهرت دراسات أخرى أن النساء اللواتي ينمن أقل من خمس ساعات يومياً معرضات للإصابة بمرض سرطان القولون بنسبة 36 في المائة، والرجال الذين ينامون أقل من ست ساعات مهددون بنسبة 110 في المائة بالإصابة بسرطان الرئة.
وليس مستغرباً أن الأشخاص من الفئات العمرية الصغيرة، وبينهم طلاب وأمهات جدد وأفراد من الطبقة العاملة يعانون أكثر من قلة النوم، في وقت تزيد نتائج دراسات التساؤلات في شأن أسباب أرق الصينيين، وتأثير ذلك على سلوك المجتمع. 
ويعزو خبراء الأسباب إلى عوامل كثيرة منها: ضغوط العمل والتلوّث والضوضاء والاستخدام المستمر للأجهزة الرقمية، علماً أن حالات الأرق دفعت الجيل الشاب إلى البحث عن علاج لمشاكلهم الصحية، ما زاد الطلب على المنتجات التي تساعد عملية النوم، وتحقيق ما يسمى بـ "اقتصاد النوم". وقد ارتفع حجم سوق منتجات النوم في الصين إلى 65 مليار دولار عام 2021، مقارنة بـ41 مليار دولار عام 2016، في حين يتوقع أن يتجاوز تريليون يوان (156 مليار دولار) بحلول عام 2030.

قضايا وناس
التحديثات الحية

حالة عامة

تعمل لو شاينغ، وهي امرأة في العقد الثالث، في شركة دعائية بمدينة نانجينغ (شرق)، وتخبر "العربي الجديد" أنها تعاني منذ ثلاثة أعوام من أرق النوم بسبب ساعات العمل الطويلة، وعدم انتظام فتراته العمل، وأنها تخشى بالتالي على حياتها من التداعيات الصحية للسهر وقلة النوم. 
وتوضح أنها ترددت على عدة أطباء لإيجاد حل لمشكلتها، وتناولت عقاقير بأمل أن تساعدها في تحسين حالتها الصحية، لكنها لم تلمس أي تقدم. وتشير إلى أن "معظم الموظفين في محيط عملي يعانون من مشاكل صحية مرتبطة بالأرق، ما يثير مخاوفهم في ظل علمهم بخطورة هذا الأمر، وتأثيره على الصحة العامة".
حصة نوم في انتظار القطار (نويل سيليس/ فرانس برس)
حصة نوم في انتظار القطار (نويل سيليس/ فرانس برس)
ويقول قو تشين، وهو موظف في شركة لتوصيل طلبات الطعام لـ"العربي الجديد": "لا أستطيع بحكم عملي أن أنام فترات منتظمة. يجب أن أبقى يقظاً لتنفيذ مهماتي على أكمل وجه، لكنني تعرضت لأزمة صحية العام الماضي قال الطبيب إنها مرتبطة بالأرق وقلة النوم، ما جعلني لا أدري ماذا أفعل لأنني لا أستطيع تغيير عملي، ولا يمكن أن أحصل على قسط وافر من النوم. ونصحني بعض الأصدقاء بتناول أدوية، لكنني لا أرغب في فعل ذلك لأنني لا أعتقد بأن هناك بدائل أو أدوية يمكن أن تعوض الجسم عن حاجته للنوم".
وتقول المتخصصة في التأهيل النفسي لورا شانغ، لـ"العربي الجديد": "لا شك في أن النوم حاجة فيزيولوجية وعملية حيوية لمساعدة الجسم في استعادة الطاقة وتخفيف التعب، فالنوم لمدة ثماني ساعات واتباع نظام غذائي متوازن وممارسة تمارين رياضية مناسبة تشكل عوامل أساسية في الحفاظ على صحة الإنسان، وتعافي الجسم وتكامله وتوطيد الذاكرة، لكن التطورات التي طرأت على نمط وأسلوب الحياة الجديد المرتبط بمشاهدة الهواتف الخليوية وتصفح الإنترنت والعمل أو الدراسة لساعات طويلة، أدت إلى تراجع هذه العوامل".
وتوصي بألا يقل عدد ساعات النوم في اليوم الواحد عن ثماني ساعات، وتقول: "النوم أقل من ست ساعات ليلاً لمدة أسبوع سيغيّر أكثر من 700 جين في الجسم، وقلة النوم على المدى الطويل قد تزيد مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والدماغية والاكتئاب والسكري والسمنة".
وقد أصبحت المنتجات التي تساعد في النوم والتغلب على الأرق الأكثر طلباً بين المنتجات الصحية في الصين، إذ شهدت مبيعات تلك المصممة لتحسين جودة النوم وتخفيف الضرر الناجم عن الأرق ارتفاعاً غير مسبوق خلال العامين الماضيين. 
وبحسب الاتحاد الصيني للوجستيات والمشتريات الطبية شهدت مشتريات أدوات منع الشخير عام 2022 زيادة بنسبة 70 في المائة عن عام 2021. كما زاد الطلب على مركب "ميلاتونين"، وهو مكمل غذائي يستخدم غالباً لعلاج الأرق، بنسبة 40 في المائة خلال المدة نفسها، ما يُظهر حجم الأرق الذي يعاني منه الصينيون، والمخاطر التي قد يتسبب بها على المدى البعيد.
المساهمون