دُفن اليوم الإثنين المواطن الأردني زيد صدقي علي دبش (37 عاماً) الذي توفي في أثناء احتجازه في سجن ماركا شرقي العاصمة عمّان، إلا أنّ قضيته ما زالت حية ويطالب ذووه بالتحقيق في ملابسات وفاته التي يُشتبه في أنّها نتيجة تعرّضه للتعذيب، إذ بدت آثار ضرب على جثمانه.
وأفاد المحامي مالك أبو رمان الموكّل بقضية زيد دبش "العربي الجديد" بأنّ ذويه مستمرّون في متابعة القضية في المحاكم إلى حين "معاقبة المسؤولين عن وفاته وتعذيبه لينال الجاني عقابه"، مشدّداً على أنّهم "مؤمنون بعدالة القضاء ونزاهته" في الأردن.
وعن تشريح الطب الشرعي للجثة، أوضح أبو رمان أنّ "الجثّة خضعت للتشريح مرّة ثانية، أمس الأحد، في مستشفى الجامعة الأردنية، على يد لجنة مستقلة مؤلّفة من خمسة أطباء شرعيين، وبحضور المدعي العام المدني والقاضي العسكري وأفراد من الأمن العام، بناءً على طلب ذوي المتوفى بعد أن رفضت عائلته نتائج التشريح الأوّل واستلام الجثمان بسبب آثار تعذيب على جسده". أضاف أبو رمان أنّ "أطباء التشريح كشفوا وفق القراءة الأولية عن عدم وجود نزيف داخلي أو تجلّطات، فيما تظهر آثار ضربات وكدمات على الجثة كلها، بالإضافة إلى أضرار في أماكن القيود، في اليدَين والقدمَين، مع انسلاخ الجلد، إلى جانب رضوض على الكتف والصدر".
وتابع أبو رمان أنّ "عيّنات أُخذت من أنسجة المتوفى وأُرسلت إلى مختبرات الأدلة الجرمية لإجراء الفحوصات اللازمة"، مشيراً إلى أنّ "ذويه وافقوا على دفنه بعد بقائه أياماً عدّة في ثلاجة الموتى، خصوصاً أنّ لا حاجة إلى الجثة لا طبياً ولا قانونياً بعد أخذ كلّ الأدلة المتعلقة بوفاته، فظهور النتائج يتطلّب نحو 10 أيام".
وأوضح أبو رمان أنّ "ثمّة حديثاً جرى مع القضاء الشرطي الذي أكّد أنّ كلّ من له يد في تعذيب أو إيذاء زيد سوف يُعاقَب"، لافتاً إلى أنّه طالب بـ"الاستماع إلى شهادات المساجين والحصول على تسجيلات الكاميرات الخاصة بمركز الاحتجاز وعلى التقرير الطبي الخاص بدبش عند دخوله".
من جهته، قال مدير وحدة المساعدة القانونية في مركز عدالة لحقوق الإنسان سالم المفلح لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة التزاماً ضعيفاً بمعايير مناهضة التعذيب تشريعياً في البلاد"، مشيراً إلى أنّ "المشكلة القائمة هي عدم الكشف عن مثل هذه الحالات التي تُمارَس في السجون، وعدم إجراء تحقيقات واسعة وشاملة، بالإضافة إلى أنّ النظر بهذا النوع من الاختصاص ما زال مرتبطاً بالادعاء العام الشرطي وهو ما يمسّ بالاستقلالية، إذ يكون الحَكم والمتّهِم جهة واحدة".
أضاف المفلح: "من المعروف أنّ التعذيب يُرتكب في أماكن مغلقة يصعب الوصول إليها، وبالتالي فإنّ الأدلة مخفية ومطموسة والوصول إليها يكون عبر التوسّع في التحقيقات، وهو أمر ممكن عندما تتوفّر مؤشّرات واضحة جداً". وأوضح أنّ "الأمور أسهل في جمع الأدلة حالياً، في ظل وجود كاميرات في مراكز التوقيف والإصلاح"، لافتاً إلى أنّه "بحسب ادّعاء ذوي زيد، فقد توفي في مراكز الإصلاح، وقد أعلمتهم الجهات المعنية بأنّه كان مضطرباً في السجن. ومن الممكن معرفة مدى دقة هذا الأمر من خلال التقرير الطبي، خصوصاً أنّ كلّ شخص يودَع في مركز احتجاز يخضع لفحص طبي مستقل فور وصوله".
وفي تقرير صادر عن مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان تحت عنوان "حالة ومؤشّر التعذيب في الأردن" للعامَين 2020 و2021، رُصدت وفاة أربعة أشخاص نتيجة التعذيب في أثناء التوقيف والاحتجاز، في حين تقدّم 135 شخصاً بشكاوى تفيد بتعرّضهم للتعذيب في المدّة الزمنية نفسها.
من جهتها، أصدرت عشائر صورباهر في الأردن عموماً وعائلة زيد دبش المتوفى في سجن ماركا خصوصاً، أمس الأحد، بياناً أُعلن فيه عن قرار استلام جثمان زيد ودفنه الإثنين. وجاء في البيان أنّه "رغم إيماننا العميق بأنّ دم ابننا زيد لن يذهب هدراً، وإصرارنا الشديد على أنّنا لن نتوقف عن المطالبة بحقّ ابننا زيد، قرّرنا دفن ابننا زيد الإثنين بعد التشريح الثاني للجثة من قبل لجنة خماسية من الطب الشرعي في مستشفى الجامعة الأردنية حفاظاً على حرمة ابننا المتوفى".
أضاف البيان أنّ "مطالبتنا بالقصاص من قاتلي ابننا لن تتوقف، ونجدّد هنا مطالبتنا لمدير الأمن العام الجديد اللواء عبيد الله المعايطة أن يفتتح عهده بإحقاق الحقّ وتقديم المتورّطين بمقتل زيد إلى العدالة، فنحن نعيش في دولة قانون ومؤسسات".
وقد ربط ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ما بين استقالة مدير الأمن العام السابق حسين الحواتمة وبين وفاة زيد دبش، وتعيين مدير الأمن الجديد الذي طالبه الملك الأردني عبد الله الثاني بضرورة احترام حقوق المواطنين وحرياتهم بصفتهم شريكاً أساسياً في منظومة الأمن الوطني، غير أنّ أيّ بيان رسمي من الحكومة أو الأمن العام لم يصدر حول القضية.
وكان المركز الوطني لحقوق الإنسان قد أعلن في تقريره السنوي لعام 2020 أنّ قضايا سوء المعاملة المرتكبة بحقّ نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل، بلغت 42 قضية مسجّلة لدى النيابة العامة الشرطية مقارنة بـ17 قضية في عام 2019 وبـ29 قضية في عام 2018"، علماً أنّ "محاكمة 35 (أمنياً متورّطاً) مُنعَت من قبل المدعي العام الشرطي، فيما حوكم سبعة أمام قائد الوحدة".