أنعش الموسم الحالي للأمطار، واقتراب إنجاز مشروع الناقل الوطني للمياه آمال الأردنيين في أن يكون الصيف المقبل والسنوات القادمة أفضل حالاً من السابقة على صعيد التزود بالمياه، وهو ما عانى منه مواطنون كثيرون في ظل شح الكميات خصوصاً تلك لمياه الشرب.
وفق بيانات وزارة المياه والري الأردنية، بلغت كميات الأمطار التي هطلت منذ بدء الموسم حوالي 117 في المائة من المعدل السنوي العام البالغ 8 مليارات متر مكعب سنوي، وما نسبته 147 في المائة من مجموع الأمطار التي هطلت العام الماضي. ورفع ذلك كمية التخزين في السدود إلى نحو 126 مليون متر مكعب، أي نسبة 45 في المائة من قدرتها الاستيعابية الكاملة البالغة 280,759 مليون متر مكعب، بزيادة نحو 50 في المائة مقارنة بالعام الماضي.
إلى ذلك أعلن وزير المياه والري المهندس محمد النجار أن وثائق مشروع الناقل الوطني للمياه (العقبة - عمان لتحلية ونقل المياه)، سيكون جاهزاً في يوليو/ تموز المقبل، ما سيوفر نحو 300 مليون متر مكعب من المياه.
وكانت الحكومة أعلنت الحصول على 2.4 مليار دولار من المنح والقروض التنموية والاستثمارية لتنفيذ المشروع، بينها 472.2 مليون دولار من المنح، و694 مليون دولار من القروض التنموية، و1.28 مليار دولار من القروض الاستثمارية.
لكن اللافت أن الآمال الآنية لم تمنع وزارة المياه والري التي أطلقت في مارس/ آذار الماضي استراتيجية وطنية لقطاع المياه للأعوام بين 2023 و2040، من توقع انخفاض الحصة السنوية للفرد من المياه العذبة المتجددة من 61 متراً مكعباً إلى 35 متراً مكعباً بحلول عام 2040، إذا بقيت مصادر المياه على حالها.
ويستهلك الأردن، ثاني أفقر دولة مائياً في العالم، كميات مياه أكثر من تلك المتاحة من المصادر المتجددة. وأدت زيادة عدد السكان في الأردن إلى تراجع حصة الفرد من المياه إلى أقل من 90 متراً مكعباً سنویاً، علماً أن خط الفقر المائي للفرد محدد بـ 500 متر مكعب سنویاً.
ويقول عضو لجنة الزراعة والمياه والبادية في البرلمان النائب موسى هنطش لـ"العربي الجديد": "عندما يقترب فاقد المياه من 50 في المائة في الأردن، في مقابل عدم تجاوزه 10 في المائة في العالم، يعني ذلك وجود اعتداءات كبيرة على شبكات المياه ومصادرها، علماً أن تقارير تشير إلى استخدام 1500 بئر مياه جوفية مخالفة ترتبط بعضها بأصحاب نفوذ". ويسأل: "هل من المعقول دائماً اللجوء إلى أجهزة الأمن للحفاظ على مصادر المياه من التعدي والتجاوزات؟".
ويصف مشروع الناقل الوطني للمياه بأنه "ذو فوائد استراتيجية كبيرة إذ يجعل تنفيذه الأردن أقوى. وفي خطط هندسة المياه يجب أن تتوفر دائماً بدائل للتعامل مع أي ظروف، وأي مصدر جديد للمياه سيكون له أثر استراتيجي إيجابي في الحفاظ على المياه الجوفية في الأردن، كما أن الحاجة إلى هذا المصدر الجديد تزداد، وأهميته تتعاظم في حالات الطوارئ".
ويلفت إلى "وجود العديد من الحلول لمشكلة نقص المياه، إذ يمكن التواصل مع السعودية لتوفير خط ديسي ثان، وهو مشروع لإمداد المياه إلى الأردن، رغم أن نسبة 90 في المائة من حوض هذا الخط تتواجد في الأراضي السعودية، لكن التفاهم مع السعودية ممكن على هذا الأمر، كما يمكن استقطاب استثمارات عربية ودولية لتوفير المياه. وفي كل الأحوال يجب أن تسرع الحكومة في التعامل مع القضايا الاستراتيجية".
وفي شأن اتفاق النوايا المعروف باسم "اتفاق المياه مقابل الكهرباء" الذي وقعه الأردن مع الإمارات والكيان الإسرائيلي، ويلحظ تزويد الأردن نحو 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من كيان الاحتلال سنوياً، مقابل إقامة الكيان محطة للطاقة الشمسية في الصحراء الأردنية لتزويده بالكهرباء، يرى هنطش أن "الإعلان جاء في ظل ضغوط دولية وعربية على الأردن، متوقعاً عدم تنفيذه وتجميده بسبب الأوضاع التي تشهدها الأراضي المحتلة، خاصة الاعتداءات على المسجد الأقصى، وتوتر العلاقات بين الأردن وكيان الاحتلال".
ويطالب النائب هنطش صاحب القرار في الأردن بعدم الخضوع لكيان الاحتلال في أي مجال وبموجب أي اتفاق، خاصة في القضايا التي تتعلق بالمياه والطاقة، وهو ما يتطلب أيضاً مواجهة المواطنين هذه المشاريع بالحفاظ على المياه".
من جهته يقول أستاذ علوم المياه الجوفية وكيمياء المياه في الجامعة الأردنية الدكتور إلياس سلامة لـ"العربي الجديد": "كل المياه في الأردن مصدرها الأمطار، وعندما يهطل جزء منها يجري في السيول ويصل إلى السدود، فيما يستقر جزء آخر تحت سطح الأرض، ويغذي المياه الجوفية". يضيف: "كان حجم الأمطار التي هطلت هذا العام جيداً مقارنة بالأعوام السابقة، ما سينعكس إيجاباً على الموسم الزراعي، كما جمعت السدود كميات مياه مقبولة، وجرى تغذية المياه الجوفية، وكل شيء يشير إلى أن العام الحالي سيكون مريحاً بالنسبة للتزويد المائي". لكنه يستدرك بأنه "لا يوجد حل مستدام لأزمة المياه في الأردن غير تحلية مياه البحر من خلال مشروع الناقل الوطني للمياه، كما أن الارتباط مع أي كيان أو دولة أو جهة خارجية للحصول على مياه لا يخدم المصلحة الوطنية للأردن"، مشدداً على أنه "يجب أن تكون مشاريع التزود بالمياه تحت سيادة الأردن ومن أراضيه، وبأيد عاملة محلية". ويؤكد أن "مشروع تحلية المياه في العقبة ليس ضرورة فقط بل مسار إجباري لتأمين المواطن الأردني بمياه الشرب والزراعة والحفاظ على مصادر المياه، في حين تبقى أي حلول أخرى مكلفة وعلى حساب السيادة الوطنية. وحتى لو كانت التكلفة المالية لمشروع تحلية المياه في العقبة عالية فهو ضمانة لاستقلال القرار الوطني".
ويرى أن "هذا المشروع يسمح باكتساب الخبرة، كما أن حصة 300 مليون متر مكعب من المياه مقبولة، خصوصاً أنها مخصصة للشرب، لكن المطلوب يظل أكثر من ذلك بسبب تزايد الطلب على المياه، والأهم انطلاق أعمال المشروع تمهيداً لتوسيعه الذي ستكون مهمته أسهل في المستقبل. وإذا لم يجر الاعتداء على هذه الكمية، كما يحصل حالياً مع مياه الديسي ومصادر مياه أخرى، ووصلت بالتالي إلى المواطنين ستنتج حوالي 250 متراً مكعباً من المياه العادمة التي تذهب إلى محطات التنقية، ثم تستخدم في الري، ما يغطي حجماً مقبولاً من احتياجات البلاد للمياه".
يذكر أن مشروع الناقل الوطني يتضمن تشغيل محطة مأخذ التي تقع على الشاطئ الجنوبي لخليج العقبة، ومحطة تحلية وضخ في العقبة، وخط ناقل بطول حوالي 450 كيلومتراً لتوفير مصدر مستدام لمياه الشرب بكمية 300 مليون متر مكعب.