الأردن: تغيير عادات رمضانية بسبب سوء الأوضاع المادية
- الأردنيون يحاولون الحفاظ على روح رمضان من خلال التكيف مع الظروف المادية ببدائل أقل تكلفة كاستبدال اللحوم بالدجاج وتقديم هدايا بسيطة.
- الأوضاع الاقتصادية تغير السلوكيات الاجتماعية، حيث يلجأ البعض للاستدانة لتلبية متطلبات رمضان، ويشهد تغيراً نحو قبول بدائل أقل تكلفة وثقافة الاعتذار لتجنب الضغط المادي.
ينعكس تزايد الفقر على العادات الاجتماعية للأردنيين خلال شهر رمضان. وكان تقرير "أطلس أهداف التنمية المستدامة لعام 2023" الذي أصدره البنك الدولي قدّر عدد الفقراء بنحو 3.9 ملايين شخص.
غيّرت الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الأردنيون عادات كانوا يمارسونها خلال شهر رمضان مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية الذي يشكل تحدياً للأسر التي باتت مجبرة على تقليص كميات الطعام، والإقلال من الزيادات والدعوات.
تقول منال موسى لـ"العربي الجديد": "صحيح أن معظم الناس يواجهون أوضاعاً مادية صعبة، لكن لا يمكن تجاوز أشياء كثيرة خلال شهر رمضان، فدعوات الإفطار تحافظ على الود بين الناس، ويمكن مثلاً الاستغناء عن اللحوم والاكتفاء بالدجاج الأقل كلفة، ومن لا يملك المال يستطيع تقديم هدايا بدلاً من إقامة إفطار رمضاني".
ويقول أحمد حسن لـ"العربي الجديد": "صحيح أن رمضان شهر خير وعبادة، لكنه يحتاج إلى موازنة كبيرة لتلبية الاحتياجات، إذ ترتفع أسعار السلع الغذائية في هذا الشهر، كما ينبغي توفير مصاريف العيد، وأنا موظف لا يتجاوز راتبي 420 ديناراً (600 دولار). أنفق أكثر من ثلث راتبي لتسديد إيجار المنزل والفواتير وتكاليف المواصلات، وبعدها الاحتياجات المنزلية مثل الغذاء الذي يجب أن يتناسب مع مستوى دخلنا، وتزيد تكاليف الواجبات الاجتماعية خلال رمضان الضغط النفسي. نطلب من الله الفرج للجميع لأن الأوضاع المادية الصعبة ذات انعكاسات سلبية على الاحتياجات العادية والعادات الرمضانية، ويجب أن يقدّر الجميع الأوضاع المادية للآخرين".
ويرى حمزة محمد أن "غالبية الأردنيين يعانون في مختلف أشهر السنة بسبب التكلفة العالية للسكن والمواصلات، وتزيد الطقوس الاجتماعية لرمضان الضغوط. إفطار رمضان يتطلب وجبات غذائية مكلفة، والعائلة تحتاج دائماً إلى وجود نوع من اللحوم على المائدة، في حين تسير الأمور من دون تكاليف كبيرة في باقي الأشهر باستثناء يوم الجمعة من كل أسبوع. أحاول شخصياً أن أتجاوز الكثير من الواجبات الاجتماعية بسبب الأوضاع المادية، لكن لا أحد يستطيع التخلص منها بالكامل". أما مروى العبادي فتقول لـ"العربي الجديد": "أصبحنا نتناول الإفطار والسحور في البيت بشكل دائم، ونذهب نادراً إلى المطاعم. الأسعار مرتفعة، فيما يسدد عدد كبير من الموظفين أقساطاً شهرية، ما يضطرهم إلى الإنفاق في شكل محدود، لكن لا يمكن أن يتجاوزوا دعوات الإفطار الرمضانية الخاصة بالأقارب، لذا من الضروري وضع نظام للإنفاق يراعي الدخل".
ويقول أستاذ علم الاجتماع، حسين الخزاعي، لـ "العربي الجديد": "يخاف أبناء المجتمع الأردني من العتب واللوم والوصمة والقطيعة مع الأقارب، فينظمون ولائم ودعوات تُعتبر جزءاً من تقاليد رمضان. وإذا لم يفعلوا ذلك يتعرضون للوم وعتب قد يصلان إلى حدّ القطيعة في العلاقات الاجتماعية، وعدم تعامل أقاربهم معهم، لأنهم لم ينفذوا واجباتهم بحسب العرف الاجتماعي. من هنا نجد أن معظم الأردنيين غير القادرين مادياً يستدينون الأموال أو يشاركون في جمعيات مالية مع زملائهم وأصدقائهم لتوفير مبالغ تسمح بتنفيذ الواجبات الاجتماعية خلال شهر رمضان".
ويوضح حسين أن "الأرقام التي تصدرها الحكومة والبنك الدولي تشير إلى أن أكثر من ربع سكان الأردن فقراء، والطبقة الوسطى لم تعد تستطيع أن تنهض بالاقتصاد، ما ينعكس سلباً على الأوضاع الاقتصادية والتقاليد الاجتماعية التي ترتبط بها مباشرة". ويدعو إلى "اعتماد المجتمع ثقافة الاعتذار، فإذا سادت ستعفي الأشخاص من الحرج، وفي حال إقامة ولائم يجب عدم المبالغة في كميات الطعام كي لا يحصل هدر كبير في الغذاء والأموال، علماً أن معظم الأردنيين لا يتناولون الطعام الباقي من ليلة سابقة خلال رمضان، ويفضلون الطعام الطازج، ويعني ذلك أن سلوكيات كثيرة تحتاج إلى تغيير".
ويلفت إلى أن فئات من المجتمع بدأت تتحلل من عادات العزائم والولائم بعد جائحة كورونا والضائقة الاقتصادية، وأصبحت تمنح الأخوات والعمات وغيرهن من الأقارب مبالغ بسيطة تتراوح بين 10 إلى 20 ديناراً (28 دولارا) بدلاً من إقامة إفطار رمضاني، وهذ السلوك أصبح مقبولاً لدى الطرفين. ويرى الخزاعي أن نسبة غير قليلة من الأردنيين أصبحت تقبل مبادرات توفير المال والعزاء على المقبرة وعبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي فقط، وتنظيم مناسبات الزواج في حضور مدعوين قليلين.
وينصح الأردنيين بعدم تحميل أنفسهم قروضاً ومصاريف زائدة من أجل مظاهر اجتماعية زائلة، خاصة في رمضان، شهر العبادة الذي يعلّم الناس الصبر والشعور مع الفقراء. ويلفت إلى أن "أفراد الطبقة الفقيرة والمعدمة في الأردن ينتظرون رمضان بلهفة وشوق، إذ تأتيهم مساعدات وطرود في هذا الشهر، ويكون الناس أقرب إلى التكافل الاجتماعي، بحسب قدرة كل فرد، فرمضان هو شهر الفقراء".