ترافقت موجة الحرّ التي ضربت الأردن خلال شهر يوليو/ تموز الماضي مع شكاوى كثيرة من الانقطاعات المتكررة للمياه، وأحياناً من نقص الكميات التي تصل إلى المستهلكين. ويرى خبراء أن ما حدث آني، ولا يمكن استخدامه في إصدار أحكام قاطعة تتعلق بالمستقبل، رغم أن موجات الحرّ تؤثر في مخزون المياه الجوفية والسدود.
يوضح مدير إدارة الأرصاد الجوية الأردنية، رائد رافد آل خطاب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "درجات الحرارة المسجلة في الفترة الأخيرة لم تكسر السجلات المناخية طويلة الأمد، ويوليو/ تموز وأغسطس / آب هما الشهران الأكثر حرارة باعتبارهما في منتصف فصل الصيف الذي من الطبيعي أن يشهد موجات حر". يضيف: "عانى الأردن في يوليو من موجتي حرّ بلغت أعلى درجاتهما في منطقة غور الصافي 46.7 درجة مئوية، في حين سجلت 38.2 درجة مئوية في محافظة العاصمة عمان. ولاحظنا هذا العام استمرار درجات الحرارة العالمية فترات، لكنها لم تكسر أيضاً أرقام أطول موجات حرّ. كما أن موجتي الحر تتابعتا تقريباً، وكان الفاصل بينهما غير كبير ما أثر على شعور الناس بهما. وفي المعدل المتوسطي سجل يوليو تجاوز الحرارة المعدل الطبيعي بدرجتين".
ويشير إلى أنّ "موجتي الحرّ اللتين ضربتا البلاد نتجتا من وجود كتل هوائية حارة مع تمدد موسمي حراري في اتجاه المنطقة، وكذلك من تمدد كتلة حارّة وجافة فوق منطقة شبه الجزيرة العربية. والأكيد أن بين أسباب الموجة الحارّة تأثر العالم بالتغيّر المناخي، ونسبة الاحتباس الحراري التي تلعب دوراً كبيراً في رفع درجات الحرارة في العالم، وكذلك النشاط الواضح لظاهرة النينو التي تساهم في ارتفاع درجات الحرارة".
يُضيف: "تؤثر درجات الحرارة في كميات الأمطار، علماً أن عام 2016 شهد ظاهرة نينو كبيرة لكنه تميز بهطول أمطار غزيرة. ونحن متفائلون من أن الموسم المقبل سيكون جيداً مطرياً بحسب المؤشرات الأولية، وأن معدلاته ستكون اعتيادية".
بدوره، يقول مساعد الأمين العام لوزارة المياه والري والناطق الإعلامي باسم الوزارة، عمر سلامة، لـ"العربي الجديد": "زادت موجة الحرّ التي ضربت البلاد استهلاك المياه في شكل كبير، وطلبه بنسبة 30 في المائة، ما خلق اختلالات أثرّت على كميات وبرامج توزيع المياه، ولكن إدارة سلطة المياه حرصت على إبقاء الخدمات ضمن الحدّ المقبول".
وفي شأن تأثير الموجة على السدود، يؤكد سلامة أن "الاعتماد كبير على السدود لغايات الري والشرب. والارتفاع الحاد في درجات الحرارة حتم زيادة الجهات المعنية المياه المخصصة لغايات الري والشرب".
ويلفت إلى أن "الإحساس بالتحديات المائية يجعل المواطنين أكثر استجابة للتعامل مع الأوضاع المائية في البلاد. والجهات المعنية تحاول التعامل مع الوضع ضمن الإمكانات المتاحة، علماً أن برنامج وصول المياه للمستهلكين هو مرة أسبوعياً أو كل أسبوعين في بعض المناطق، كما تزيد معاناة المواطنين في حال حدوث عطل في أي خط، أو انقطاع في التيار الكهربائي، ما يخلق اختلالات يجرى التعامل معها سريعاً". ويوضح أن "مشكلة محدودية مصادر المياه في الأردن تضاعف التحديات، خاصة أن حصة الفرد السنوية من المياه 61 متراً مكعباَ، وهي بين الأقل في العالم، وأدنى من خط الفقر المائي المطلق المتعارف عليه دولياً".
من جهته، يقول الخبير البيئي بشار زيتون لـ"العربي الجديد": "يمكن أن تستنزف زيادة الطلب على المياه في دولة محدودة المصادر المياه الجوفية، ما يؤدي إلى انعكاسات سلبية في المستقبل. وعندما يزداد الطلب على المياه يجب أن يزداد العرض من خلال سحب كميات أكبر من المياه الجوفية، ما يعني استنزافها في شكل أكبر لمحاولة تلبية الطلب". يتابع: "إلى جانب زيادة موجات الحرّ استهلاك المياه من السدود مباشرة للري وأغراض أخرى، يتعرض جزء من المياه المخزّنة للتبخر بسبب عوامل الطقس. وأكثر القطاعات التي تتأثر بموجات الحرّ في الأردن هي الزراعة، ثم تلك المنزلية والصناعية".
ويقول الخبير في قطاعي الطاقة والمياه النائب موسى هنطش لـ"العربي الجديد": "موجة الحرّ عامة ولا تنحصر في الأردن، والأساس في هندسة المياه توفير احتياط لمواجهة الظروف الطارئة يتطلب عادة زيادة الضخ بين 10 و15 في المائة. والأهم في ظل ارتفاع درجات الحرارة تعاون الناس مع الجهات المسؤولة عن المياه لتجاوز الظروف الصعبة، علماً أن وزارة المياه لا تواجه أي مشاكل حالياً في إدارة احتياجات فترة الصيف، وتتعامل مع الشكاوى بطرق مناسبة".
يُضيف: "الحاجة الكبرى هي توفير احتياجات المزارعين خصوصاً لأولئك في منطقة الأغوار من أجل ري المزروعات التي تشكل سلة غذاء المواطنين. وبين أهم المشاكل التي يواجهها الأردن في قطاع المياه هي سرقة كمياتها، فنسبة فاقد المياه في الأردن تناهز 50 في المائة ثلثاه مياه مسروقة". ويلفت إلى أن "مشروع الناقل الوطني للمياه يحقق فوائد استراتيجية كبيرة للأردن. وفي خطط هندسة المياه يجب أن تتوفر دائماً بدائل للتعامل مع أي ظروف. وأي مصدر جديد للمياه سيكون له أثر استراتيجي إيجابي في الحفاظ على المياه الجوفية للأردن. والحاجة تزداد إلى مصادر جديدة تتعاظم أهميتها في حالات الطوارئ".