تقدر إحصاءات أجريت في نهاية عام 2020 عدد كبار السن في الأردن بـ 588.100 يشكلون نسبة 5.5 في المائة من عدد السكان، وقد زادت معاناتهم من ضعف الرعاية في السنوات الأخيرة، بسبب التحوّل الاجتماعي في نظام الأسر وأنماطها، وتلاشي الأسر الممتدة التي يتسع إطارها لتشمل الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأعمام والعمات، لصالح الأسر النووية (النواة) التي تشمل الأبوين وأطفالهما، وتتمتع بخصوصية تنفيذ أنشطتها من دون مراقبة أفراد آخرين من الأسر الممتدة.
ويفيد تقرير أصدرته جمعية معهد تضامن النساء الأردني (تضامن) بأن "أنماط الأسر الأردنية تختلف عن أنماط الأسر على المستوى العالمي". فيما يحدد تقرير بعنوان "الأسر في عالم متغير" الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين عام 2020 نسبة الأسر الممتدة في الأردن بـ 1.5 في المائة (32.070 من أصل 2.138 مليون أسرة).
وتكشف مقارنة نتائج مسح الظروف المعيشية للأسر الأردنية، الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة، بأخرى ارتبطت بنتائج عام 2003، أن الأسر الممتدة في الأردن تراجعت بشكل كبير من نسبة 10.9 في المائة عام 2003 إلى 1.5 في المائة عام 2017.
هذا التغيّر في نمط الأسر، وتحوّلها من أسر ممتدة إلى أسر نووية ينعكس سلباً على كبار وكبيرات السن، خاصة من يحتاجون إلى رعاية، كما يعكس تحوّلاً كبيراً في العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة.
يقول محمد المناصير الذي يعمل موظفاً لـ"العربي الجديد": "صحيح أن الواجب والدين والأخلاق والعادات والتقاليد تفرض أن نهتم بوالدينا وكبار السن، لكن ظروف الحياة تجبرنا على الابتعاد عنهم، فالعمل يستغرق معظم ساعات النهار، ولدى عودتنا إلى البيت نستريح قليلاً مع الأبناء فلا يبقى وقت، ونكرر ذلك في شكل روتيني في اليوم التالي".
تقصير محتم
يضيف: "نرى هذه الأيام الأهل لساعات قليلة فقط في يوم عطلة الجمعة للحفاظ على الارتباطات الاجتماعية والأسرية، ونقدم لهم مساعدات بسيطة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة السائدة، وأعتقد بأن الأسرة الممتدة انتهت عندما كان والدي وأعمامي يعيشون في بيوت قريبة من بعضها البعض خلال أيام الطفولة، لكن كل شيء تغيّر اليوم".
في السياق، تقول فاطمة أحمد لـ"العربي الجديد": "في السابق كان أعمامي يعيشون كأسرة واحدة، ويقضون معظم وقتهم في بيت العائلة مع جدي وجدتي، أما اليوم فأنا لا أذهب إلى بيت أبي سوى في أيام العطل".
تضيف: "أعيش مع زوجي و4 أبناء وبنات في شقة لا تزيد مساحتها عن 120 متراً، ولا توفر إقامة مريحة لأي شخص إضافي إلا لأيام قليلة. وندرك أننا مقصرون في رعاية أهلي وأهل زوجي، بسبب الظروف المادية، وصعوبة المعيشة، وطبيعة العمل التي باتت أكثر قسوة علينا، خاصة في السنوات الأخيرة".
بدوره، يقول أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي لـ"العربي الجديد": "ترتبط المشاكل الأكبر التي يواجهها كبار السن في الأردن بالتواصل الاجتماعي مع الأهل والأبناء والأصدقاء، ويعود ذلك إلى اتساع المدن والهجرة من القرى إلى المدن، بسبب العامل الاقتصادي، وندرة المشاريع التنموية، وانشغال الأبناء بالتحديات الاقتصادية التي تواجههم".
ويوضح أن "للعوامل الاقتصادية اليد الطولى في التحوّل من الأسر الممتدة، أي العائلة الكبيرة، إلى الأسر النووية. ويرتبط هذا التحوّل بنوعية المساكن في المدن، وهي شقق سكنية صغيرة وضيقة لا تتسّع إلا لعدد قليل من الأشخاص، كما أن 40 في المائة من سكان المدن يعيشون في بيوت مستأجرة".
معاناة نفسية أيضاً
يتابع: "بقي كثير من الأهالي في المحافظات، فيما استقر الأبناء في المدن، ويذهب المقتدرون منهم نهاية الأسبوع إلى عائلاتهم، لكن من يعانون اقتصادياً لا يزورون أهاليهم أكثر من مرة شهرياً، ما يعني أنهم لا يخدمون كبار السن الذين ينتمون إلى عائلاتهم، ولا يوفرون العون والمساعدة التي يحتاجها هؤلاء الكبار".
ويشير الخزاعي إلى أن "الأكثر معاناة هم كبار السن الذين لم يرزقوا بأبناء بسبب العقم وعدم الإنجاب، فهؤلاء لا يجدون من يهتم بهم أو يقدم لهم مساعدة، وتتراوح نسبتهم في المجتمع بين 1 و2 في المائة، وحوالي ربع مليون أرملة في الأردن يعانين أكثر من الرجال".
ويتحدث عن أن عوامل اجتماعية تؤثر سلباً على كبار السن مثل العفة ورفض كبار السن العيش في بيوت أبنائهم، وتفضيلهم البقاء في بيوتهم الأصلية، أي بيت العائلة، لتصبح بيوت الأسرة الممتدة موجودة فقط خارج المدن، ويزورها الأبناء في المناسبات والعطل".
ويلفت إلى أن كبار السن تزيد معاناتهم النفسية عندما يفقدون الأصدقاء والأحباب، وكلما زاد عمرهم يزداد الفقدان، ما يزرع الخوف في قلوبهم.
ويؤكد أهمية معالجة المعاناة الاقتصادية لكبار السن، خاصة أن بعضهم لا يملكون رواتب تقاعد، في حين لا تزيد رواتب 18 ألف متقاعد عن 300 دولار شهرياً، ويرزحون بالتالي تحت خط الفقر.
حالات عنف
من جهتها، تقول المستشارة في مركز العدل للمساعدة القانونية المحامية سهاد السكري لـ"العربي الجديد" إن "رعاية كبار السن في الأردن تحصل بموجب العادات والتقاليد والوازع الديني، في حين لا يوجد نص قانوني عن واجبات الأبناء تجاه كبار السن، إذا استثنينا الحق في النفقة المتعلقة بالطعام والكسوة والمأوى".
وتوضح أن "كبير السن لا يحتاج فقط إلى دعم مادي رغم أهميته، بل إلى عناية خاصة للوصول إلى مقدمي الخدمات وأبرزها الخدمات الصحية. وعندما يكون كبير السن مريضاً في المنزل أيضاً يحتاج من يساعده في تناول أدويته بانتظام، وأيضاً للترفيه عبر زيارة الأقارب، أو الخروج من البيت حتى لا يعاني العزلة ويصاب بالاكتئاب، فيما لا يوجد نص قانوني يلزم أفراد الأسرة بتقديم هذه الخدمات، كما لا توجد عقوبات لجرائم ترتبط بالإهمال وعقوق الوالدين".
تتابع: "هناك حالات يعتدي فيها الأبناء على كبار السن، وقانون الحماية من العنف الأسري لا يُجرّم هذه الاعتداءات في نص خاص، وكذلك قانون العقوبات، علماً أن القانون لم يحدد أيضاً الأشخاص الذين يجب أن يقدموا العناية لكبار السن، لذا نطالب بإيجاد نصوص تحدد ذلك مماثلة للموجودة في قانون حماية الطفل، كي تحمي حقوق كبار السن".
وعموماً زاد عدد ضحايا جرائم القتل الأسرية عام 2022 بنسبة 94 في المائة عن عام 2021 من 18 إلى 35 ضحية. وكانت العاصمة عمان ومحافظة إربد، شمال الأردن، الأعلى على صعيد ارتكاب جرائم القتل الأسرية.
خارج منظومة الحماية الاجتماعية
وتشير سهاد إلى أن صناديق حكومية تقدم خدمات لكبار السن، ومنها صندوق المعونة الوطنية، وصندوق الزكاة، وتشمل المسنين كعائلة وليس كأفراد عندما تنطبق عليهم شروط الاستحقاق.
وتلفت إلى أن كثيراً من السيدات اللواتي لم يعملن سابقاً أو الرجال والنساء الذين عملوا في قطاعات غير منظمة يعانون اقتصادياً بسبب عدم وجود رواتب تقاعدية، وتطالب بتشريعات خاصة لمساعدتهم، كونهم خارج منظومة الحماية الاجتماعية.
وتشير السكري إلى أن مركز العدل للمساعدة القانونية أعد ورقة سياسات حول كبار السن بعنوان "فئة غير مرئية" ضمن مشروع تعزيز المساواة لفئة كبار السن، وذلك بالتعاون مع منظمة "هيلب ايج" الدولية في الأردن.
وركزت الورقة على ضرورة الوصول إلى حماية قانونية لكبار السن، وهي مفقودة حالياً في شكل كبير، كي لا يجري التعامل مع قضايا حقوق كبار السن على أساس الرعاية والعمل الخيري، بل على أساس نهج قائم على حقوق الإنسان والتحديات التي يواجهها كبار السن، والعمل في شكل مركز على تشريعات، ومتابعة التحديات في شكل عميق للوصول إلى توصيات تضع الحلول لمعاناة كبار السن في الأردن في مختلف المجالات، وحمايتهم من العنف والإهمال وتوفير حياة كريمة لهم.