الأردن: العطلة الصيفية رهن الأوضاع المادية

12 يوليو 2022
في الصيف يستطيع الأطفال فعل ما يرغبون به (مايا هيتيج/ Getty)
+ الخط -

في الوقت الذي ينتظر فيه أطفال الأردن العطلة الصيفية للهو بعيداً عن الواجبات المدرسية، بعد عام دراسي طويل، يجد الأهالي أنفسهم حائرين أمام كيفية تمضية أبنائهم هذه العطلة الصيفية، علماً أنّها تقلّصت لتصل إلى نحو 60 يوماً على خلفية أزمة كورونا الوبائية.
ويأتي الوضع المادي لكلّ عائلة على حدة ليحدّد الخيار الأنسب. فيحظى أولاد أصحاب الدخل المرتفع بترفيه عالي الجودة في نواد صيفية، سواء أكانت تلك التي تنظّمها المدارس الخاصة أم الأكاديميات والتي لا تقلّ رسومها في العادة عن 200 دولار أميركي. أمّا الأردنيون من ذوي الدخل المحدود الذين لا يملكون فائضاً من المال ولا من الوقت لتلبية رغبات أبنائهم، فيقضون عطلتهم أمام شاشات التلفزيون والأجهزة الإلكترونية المتوفّرة أو في الأزقّة.

وفي المناطق الزراعية والمدن الصناعية والحرفية، يتحوّل بعض الأطفال إلى منتجين، إذ يساعدون الأهل في جني المحاصيل ورعي المواشي. وثمّة آخرون يصيرون مثلاً مساعدين لآبائهم العاملين في مجال ميكانيك السيارات ومهن أخرى من هذا القبيل، على الرغم من أنّ قانون العمل الأردني يمنع ذلك.
وتتحمّل الأمهات العبء الأكبر من العطلة الصيفية، سواء أكنّ عاملات أم ربّات بيوت. تقول كريمة علي، وهي موظفة حكومية وأمّ لأربعة أبناء وبنات يتابعون تعليمهم في مدارس رسمية، لـ"العربي الجديد": "لا أعلم أين أترك أطفالي في خلال الإجازة الصيفية. هم في حاجة إلى من يرعاهم، لا سيّما أنّ وضعنا المادي لا يسمح لنا بإلحاقهم بنواد صيفية". تضيف علي أنّه "في الواقع، لا يشغلني كثيراً مدى استفادتهم من العطلة الصيفية في تنمية المهارات، بقدر بقائهم آمنين وحصولهم على الرعاية المطلوبة"، لافتة إلى أنّهم "ربّما يقضون بعض أيام من العطلة في بيت جدّهم". وتقترح علي أن "تنظّم المدارس الحكومية في العطلة الصيفية فعاليات وبرامج تدريبية في الرياضة وتنمية المهارات العلمية الأساسية من دون واجبات منزلية، إلى جانب إكسابهم بعض المهارات الحياتية".
من جهتها، تقول أسماء العبادي، الموظفة في القطاع الخاص، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العطلة الصيفية لا تمثّل أيّ مشكلة بل هي فرصة لإكساب الأطفال مزيداً من المهارات وتنمية قدراتهم، ونحن نحرص على ذلك"، تضيف أنّ "العطلة هي فرصة للأبناء والعائلة للقيام بجولات في بعض المناطق السياحية في البلاد، من دون أن تعكّر الواجبات والالتزمات المدرسية على الأبناء الاستمتاع بهذه الرحلات".
أمّا محود الزعبي، وهو موظف وأب لثلاثة أبناء، فيخبر "العربي الجديد" بأنّ "زوجتي هي ربّة منزل وهي تتولى مسؤولية رعاية الأبناء الذين تزداد مشاجراتهم في العطلة الصيفية". ويشير الزعبي إلى أنّ "أبنائي يقضون معظم وقتهم أمام شاشة التلفزيون أو في اللعب على بعض الأجهزة الإلكترونية. وفي بعض الأحيان يلعبون كرة القدم مع رفاق لهم"، وبالنسبة إليه، فإنّ "العطلة الصيفية فرصة مهمة ليستعيدوا طاقتهم وبالتالي رغبتهم في العودة إلى المدرسة".

الصورة
طفل أردني وطيارة ورقية في عمّان في الأردن (ماركو لونغاري/ فرانس برس)
أطفال أردنيون كثر قد يقضون العطلة الصيفية في الشارع (ماركو لونغاري/ فرانس برس)

وفي سياق متصل، تقول المتخصصة في أصول التربية هبة أبو حليمة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة اختلافات ما بين المدارس الحكومية والخاصة وتبايناً ما بين ظروف أهالي التلاميذ وإمكانياتهم المادية. كما تختلف المعطيات ما بين الأسر، لجهة عمل الأمّ في القطاع الخاص أو العام الحكومي أو كونها ربّة منزل. ويأتي التعامل مع الأطفال في العطلة الصيفية وفق هذه الظروف في الغالب".
وتشير أبو حليمة إلى أنّ "90 في المائة من المدارس الخاصة تنظّم في العطلة نوادي صيفية، بالتالي تكون الرؤية واضحة لدى تلاميذها وذويهم. وتتضمّن برامج هذه النوادي الصيفية ألعاباً ترفيهية وحصصاً لتعويض الفاقد التعليمي ودروس تقوية"، تضيف أنّه في المقابل، "لا نوادي صيفية في المدارس الحكومية عموماً، ولا نشاطات ترفيهية تشغل أوقات فراغ تلاميذها وتساعد أمّهاتهم في العناية بهم. فتضطر الأمّ العاملة إلى إيداع أبنائها عند أقاربها في حال كان ذلك ممكناً، أو في حضانات، أو عند جليسات أطفال. وفي حال لم تتمكّن من ذلك، قد تحاول الأمّ الاستفادة من إجازتها السنوية في هذا الوقت لتكون قريبة من أطفالها، خصوصاً إذا كانت الأوضاع المادية لا تسمح بإلحاقهم بنشاطات صيفية". وترى أبو حليمة أنّ "هذا ليس بأمر سيّئ، إذ قد يعوّض الأطفال الحرمان الذي يعانون منه بسبب عمل أمهاتهم اللواتي يحاولنَ جاهدات التوفيق طوال العام ما بين عملهنّ في خارج البيت والأعمال المنزلية والواجبات الاجتماعية".
وتتابع أبو حليمة أنّ "ثمّة من يرسلون أبناءهم إلى مراكز رياضية خاصة بالتايكواندو أو الكاراتيه والسباحة وركوب الخيل، بهدف تقوية شخصياتهم. كما أن ثمّة من يلجأون إلى مدرّسين لتقوية أبنائهم في مواد معيّنة كاللغتَين الإنكليزية والعربية والرياضيات". وتوضح أبو حليمة أنّ "من المتوقّع ألا تزيد العطلة الصيفية في العام الجاري عن شهرَين مقارنة بثلاثة أشهر في الأعوام السابقة، بسبب أزمة كورونا والاضطرار إلى تمديد العام الدراسي المنصرم (2021-2022) حتى وقت متأخر من شهر يونيو/ حزيران الماضي".
وتنصح أبو حليمة الأهل بـ"مراعاة حاجات أبنائهم، خصوصاً أنّ للعطلة الصيفية تأثيراً كبيراً على نشاط التلاميذ في العام الدراسي اللاحق"، مشدّدة على أنّ لهذه العطلة "فائدة نفسية للأطفال الذين يشعرون بأنّ وقتهم ملكهم ويستطيعون اللعب والإتيان بما يرغبون فيه، بخلاف ما هي الحال في أيام الدوام المدرسي التي تكون مبرمجة بشكل شبه تام".

وترى أبو حليمة أنّ "العطلة الصيفية تعزّز أيضاً مساحة العلاقات الاجتماعية لدى أطفال كثيرين، لا سيّما أنّها ملك لهم"، وتحذّر من "مخاطر للعطلة الصيفية على أطفال يعدّون المدرسة أشبه بسجن ويبدون متعطشين للعطلة بهدف الانطلاق براحتهم في حياة على هواهم". وفي هذا الإطار، تشدّد أبو حليمة على "ضرورة المراقبة غير المباشرة من الأهل للأبناء ومعرفة من هم أصدقاؤهم. فهم قد يتعرّفون إلى أشخاص جدد في الشارع، خصوصاً مع انتشار سلوكيات معيّنة، من قبيل التدخين والمخدّرات بشكل أوسع من قبل، وبالتالي قد ينجرّون إلى طريق الضياع".

المساهمون