يكثر التنمّر في البيئة المدرسية في الأردن وسط عدم اكتراث العديد من الأهل إلّا حين يكون العنف جسدياً. قبل نحو شهر، تعرّضت تلميذة في الصف العاشر الأساسي للاعتداء بأداة حادة من قبل 5 تلميذات في مدرستها في العاصمة عمان، ما أدى إلى إصابتها في أنحاء مختلفة من جسدها، وإدخالها إلى المستشفى. وقالت مديرة التربية والتعليم للواء قصبة عمّان نوال أبو ردن إنّ الحادثة وقعت في إحدى مدارس القصبة التي تطبق نظام دوام الفترتين، وقد وقعت بعد انتهاء الدوام الصباحي وقبل بدء الدوام المسائي، مشيرة إلى تشكيل لجنة تحقيق بالحادثة.
وقالت جمعية "معهد تضامن النساء الأردني"، في دراسة سابقة، إنّ 18 في المائة من التلاميذ في الأردن أبلغوا عن تعرضهم للعنف اللفظي في المدارس، و11 في المائة للعنف البدني خلال العام الدراسي 2015 – 2016.
وأفادت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، في تقرير، بأنّ "العنف المدرسي والتنمر مشكلة كبيرة في جميع أنحاء العالم، تطاول نحو ثلث تلاميذ المدارس وتؤثر على صحتهم النفسية وتحصيلهم الدراسي. كما أنّ التنمر الجسدي هو الأكثر شيوعاً. ومع التقدم التكنولوجي، يزداد التنمر عبر الإنترنت والهواتف المحمولة".
ولا ينظر الكثير من الأهل إلى العنف في المدارس كقضية خطيرة. وتقول فاطمة أحمد، وهي أم لثلاثة أطفال في مدارس حكومية، لـ"العربي الجيد": "تحصل شجارات أحياناً بين أبنائي وزملائهم. لكن الأمر لا يدعو إلى القلق"، مشيرة إلى أنّ أبناءها يتشاجرون في البيت أيضاً. تضيف أنّ هذه أمور عادية، ولم يتأذَّ أيّ من أبنائها جسدياً، لكنّها تؤكد على أهمية مراقبة المعلمات والمعلمين لتصرفات التلاميذ.
من جهته، لا يرى حازم العبادي أنّ الخلافات أو الشجارات بين التلاميذ خطيرة، مستذكراً طفولته التي كانت تشهد شجارات شبه يومية، خصوصاً بعد انتهاء الدوام، ثم تعود الأمور إلى طبيعتها في اليوم التالي، ويقول لـ"العربي الجديد": "اليوم الأمر مختلف، والمدارس لم تعد كما في السابق. لكن من الواضح أن الشجارات مستمرة وإن بشكل أقل من السابق".
أما رانيا سلامة، فتؤكد في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّها لا تسمح بأي اعتداء لفظي أو جسدي على طفليها اللذين يدرسان في إحدى المدارس الخاصة.
بدورها، تقول المتخصصة في أصول التربية هبة أبو حليمة، لـ"العربي الجديد": "لا تخلو المراحل الدراسية من العنف والتنمر، لكنها تختلف من مرحلة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر"، مشيرة إلى أنّ العديد من الدراسات أظهرت أنّ مدارس الذكور تعد أكثر عنفاً وتشهد نسبة أكبر من التنمر بالمقارنة مع المدارس المختلطة ومدارس الفتيات، وتلفت إلى أنّ غالبية الأهل يسعون إلى اختيار مدارس مناسبة لأبنائهم، وهناك نسبة لا بأس بها تفضل المدارس المختلطة كون بيئتها حيوية، وسعياً إلى تعزيز قوة الشخصية لدى الأطفال، وتقول إنّ مدارس الفتيات المنفصلة تكون في العادة أكثر هدوءاً.
وتوضح أبو حليمة أنّ المدارس المختلطة الأساسية لا تشهد نسبة كبيرة من العنف، باعتبار أنّ عمر الأطفال صغير والعنف محدود، مشيرة إلى أن التنمر في هذه المدارس لفظي ويرتبط بالسمنة أو الوزن الزائد على سبيل المثال، أو طريقة الحديث في حال عدم القدرة على لفظ الحروف بطريقة صحيحة، أو لون البشرة، واصفة ما يحدث بأنّه لاإرادي، وتشرح أنّ هناك أشكالاً مختلفة من العنف الذي تشهده المدارس، ويمكن أن يكون جسدياً أو نفسياً أو تواصلياً أو جنسياً، لافتة إلى أن هناك عنفاً جسدياً يرتبط بمحاولة معاقبة الطفل لزميله وإلحاق الضرر به، وهو من أكثر أنواع العنف انتشاراً في المدارس بعد العنف اللفظي، ويتمثل بالضرب بالأيدي أو الرفس أو محاولة الخنق، تضيف: "هناك العنف النفسي الذي يمارس في العادة من قبل المعلّمين والمعلّمات في محاولة لضبط التلاميذ. وأحياناً يوجهون لهم كلمات قاسية ويحرجونهم أمام الزملاء".
تتابع: "هناك العنف التواصلي"، ويتمثل في قمع التعبير عن الرأي، إذ إنّ "جائحة كورونا فرضت عامين من التعليم عن بعد. وخلال هذه الفترة، أصبح التعليم تلقينياً ولم يعد التلاميذ قادرين على التعبير عن آرائهم بحرية، وذلك مرتبط بنظام المؤسسة التعليمية وليس بالمعلم نفسه"، تضيف أنّ "نسبة العنف الجنسي ليست كبيرة بين التلاميذ في الأردن، لكن كثر الحديث عنه وبصوت مرتفع مع تغير الثقافة المجتمعية".
كما ترى أبو حليمة أنّ البيئة الاجتماعية وغياب المساواة والعدالة والعنف الأسري وانتشار التكنولوجيا كلها عوامل ساهمت في ارتفاع نسبة انتشار التنمر والعنف في المدارس، وخصوصاً أن الأفلام ومقاطع الفيديو والألعاب الإلكترونية العنيفة أصبحت أكثر انتشاراً، وهي تشجع على فكرة أن البقاء للأقوى، إذ يتقمص التلاميذ شخصيات أفلامهم المحببة لمواجهة الآخر.
وتقول إن المجتمع يعتبر العنف أمراً عادياً، وفي حال نشأ الطفل في جو أسري مليء بالعنف، فإن الأمر سيستمر معه. وهنا يجب حماية المجتمع ومحاولة خلق بيئة مدرسية خالية من العنف والتنمر، مشددة على أهمية مراقبة الأهل لأبنائهم ومتابعة الأفلام التي يشاهدونها والألعاب الإلكترونية، لافتة إلى أنّ الأهل في الوقت الحالي باتوا أكثر اهتماماً بأعمالهم وعلاقاتهم الاجتماعية على حساب الأبناء، وتلفت إلى أهمية إشراك المعلمين بدورات تأهيلية للتعامل مع التلاميذ ومساعدتهم على التعامل بعضهم مع بعض من دون عنف، ومن الممكن تضمين ذلك في المناهج الدراسية، وتأمين متخصصين نفسيين واجتماعيين لمواجهة هذه المشاكل، بالإضافة إلى مرشد نفسي وتدريب المدراء لمراقبة البيئة المدرسية.