الأبجدية التركية الموحدة تنافس "العالم الروسي"

19 نوفمبر 2022
تسعى الدول الناطقة بالتركية لإقرار أبجدية موحدة (سيم أوزديل/الأناضول)
+ الخط -

تسعى تركيا خلال العقدين الأخيرين، إلى إنشاء ما يوصف بأنه "العالم التركي" في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق، بالتوازي مع "العالم الروسي" القائم بفعل عقود من انضمام تلك الجمهوريات إلى الاتحاد السوفييتي، ويجري ذلك عبر تدشين أبجدية موحدة تستخدمها تلك البلدان التي توصف غالبية شعوبها بأنها جزء من الأمة التركية.
انعقدت في مدينة سمرقند الأوزبكية في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، قمة قادة منظمة الدول التركية، وكانت من بين قضاياها مسألة الانتقال إلى أبجدية موحدة بين الدول الأعضاء. 
لكن ثمة تساؤلات حول ما إذا كانت المبادرة ستلقى قبولاً لدى الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، والتي تسعى للنأي بنفسها عن سياسات موسكو، وتعزيز وحدتها الإثنية والدينية مع تركيا من جانب، مع الحفاظ على علاقات طيبة ومتبادلة المنفعة مع روسيا من جانب آخر. 
وعلى الرغم من توقعات بقاء الروسية كلغة التواصل الرئيسية بين القوميات في جمهوريات آسيا الوسطى، إلا أن الانتقال النهائي إلى الأحرف اللاتينية قد يؤدي إلى التقلص التدريجي لاستخدامها، خصوصاً بين الشباب. 
ورغم ذلك، يستبعد الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كامران غسانوف، احتمال تأسيس أبجدية تركية موحدة في الأفق المنظور، مرجعاً الأمر إلى الأعباء الفنية والمالية لهذه العملية، فضلاً عن سعي جمهوريات آسيا الوسطى للحفاظ على علاقات جيدة مع موسكو.  
ويقول غسانوف لـ"العربي الجديد": "هناك سوابق لانتقال دول آسيا الوسطى، بما فيها أذربيجان، إلى الأبجدية اللاتينية كونها تعكس بدرجة أكبر الأصوات الموجودة في اللغات التركية، والتي من الصعب نقلها عبر الأحرف السيريلية. نظرياً، يمكن إنشاء أبجدية تركية موحدة، ولكن في الأفق البعيد هذه العملية صعبة ومكلفة، خاصة وأن بعض الدول لم تنقل من الأحرف السيريلية إلى اللاتينية بعد". 
وحول رؤيته لتأثير اعتماد الأبجدية التركية على تنافس العالمين الروسي والتركي، يضيف: "السلطات في أوزبكستان كمثال، تسعى تقليدياً لأن تكون في المنتصف عبر المحافظة على التواصل مع تركيا وروسيا ولاعبين آخرين. أما كازاخستان وقرغيزستان، فهما تقعان ضمن دائرة النفوذ الروسي، وقد يتسبب هذا التحول في استياء سكانهما الناطقين بالروسية، ويمكن القول إن الانتقال إلى الأحرف التركية سيشكل إضعافاً لـ(العالم الروسي)، لكن الأمر لا يقاس باعتماد الأحرف السيريلية وحدها، وإنما أيضا بعدد المتحدثين بالروسية، وانتشار الثقافة والأدب والمسرح الروسي".   
من جهته، يعتبر رئيس المركز الأوراسي للتحليل في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، أن مبادرة اعتماد الأبجدية التركية تعكس التوجه القومي للحكومة في أنقرة، لافتاً إلى أن الانتقال من أبجدية إلى أخرى يحدث حالة من الارتباك في أي دولة.  
ويضيف ميندكوفيتش لـ"العربي الجديد": "تنبع هذه المبادرة من تركيا وحكومتها ذات التوجهات القومية التي تنظر إلى جميع الشعوب التركية على أنها مستعمراتها السابقة، ولكن هذا الخطاب موجه بالدرجة الأولى إلى جمهور الداخل لإبعاد الأنظار عن مشكلات مثل التضخم وتراجع مستوى معيشة السكان، وكل ذلك قبيل الانتخابات الصعبة على الرئيس رجب طيب أردوغان خلال العام المقبل".

الصورة
تحاول تركيا إقرار الأبجدية الموحدة منذ سنوات (مصطفى أوزير/فرانس برس)
تحاول تركيا إقرار الأبجدية الموحدة منذ سنوات (مصطفى أوزير/فرانس برس)

ويقلل المحلل الروسي من واقعية تغيير الأبجدية في جمهوريات آسيا الوسطى، مضيفا: "تم استبدال الأحرف السيريلية باللاتينية في أوزبكستان، وتجري عملية مماثلة في كازاخستان حالياً، وأدى ذلك إلى اعتماد ثلاث أبجديات في المراسلات بين الأوزبك، وفي كازاخستان التي يتحدث ثلاثة أرباع مواطنيها اللغة الروسية، أثارت اللافتات بالأحرف اللاتينية سخرية السكان".
ويلفت ميندكوفيتش إلى أن روسيا لا تتوهم أن تركيا حليفتها، قائلاً: "في القرنين الـ18 والـ19، جرت سلسلة من الحروب بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية، ولازالت باقية في الذاكرة التاريخية، لكن تركيا اليوم شريك تجاري لروسيا، وإذا كانت تطمح في إنشاء مجمع للغاز الروسي على أراضيها، فعليها الحد من سياساتها التوسعية في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق".  
بدوره، لفت زعيم الحركة الاشتراكية الكازاخستانية، أينور كورمانوف، إلى أن مشروع تكامل "العالم التركي" بقيادة أنقرة يهدف إلى مقابلة التفاف الجمهوريات السوفييتية السابقة حول موسكو، وله طابع إستراتيجي وأيديولوجي هام.  
ونقلت وكالة "أوراسيا ديلي" المعنية بالشؤون الأوراسية عن كورمانوف قوله إن سلطات جمهوريات آسيا الوسطى تسعى لتقديم الأمر على أنه ليس النزع النهائي للروسية، وإنما نوع من العودة إلى الجذور العرقية التقليدية.

 

قضايا وناس
التحديثات الحية

في تلك الأثناء، انعقدت في مدينة بورصا التركية في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ندوة تناولت قضية الأبجدية الموحدة لبلدان منظمة الدول التركية، والتي تضم في عضويتها تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان، كما ان المجر وتركمانستان لهما صفة المراقب في المنظمة. 
وترأس الندوة رئيس مجمع اللغة التركية، غوريرغولسفين، وشارك فيها أيضاً رئيس مجلس شيوخ منظمة الدول التركية نائب رئيس حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، بن علي يلدريم، حسب وكالة الأناضول التركية، وستضم لجنة تطوير الأبجدية الموحدة ممثلين اثنين عن كل بلد، على أن ينعقد الاجتماع الأول لها في بشكيك عاصمة جمهورية قرغيزستان.  
وتروج تركيا لكتابة لغتها عبر الأحرف اللاتينية منذ اعتمادها بقرار من مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك في عام 1928، والذي استعار فكرة الانتقال إلى الأحرف اللاتينية من أذربيجان، والتي كانت أول من نشرها بين الشعوب الإسلامية والدول التركية الأخرى. 

المساهمون