في مشهد أصبح مألوفاً، يتجمّع المئات من العراقيين الحاصلين على شهادات البكالوريوس والدبلوم أمام البوابة الخاصة بمرور الوزراء والمسؤولين العراقيين، إلى داخل المنطقة الخضراء المحصّنة، وسط العاصمة بغداد، منذ أكثر من ثمانية أشهر، من دون أن توقفهم جائحة كورونا.
ويطالب حملة الشهادات، الحكومة بإيجاد فرص تعيين لهم في المؤسسات والدوائر الحكومية، غير أنّ الحكومة العراقية تعاني أساساً من تخمة في عدد الموظّفين وترهّل وظيفي كبير. وقال رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الأسبوع الماضي، إنّ السبب خلف ذلك، هو سوء إدارة الحكومات السابقة، بينما هناك مطالبات في البلاد بإعادة وضع خطة وطنية للتوظيف وتنشيط القطاع الخاص، الذي يمكنه استيعاب أعداد كبيرة من خريجي الجامعات والمعاهد.
وتحدّث وزير العمل العراقي، عادل الركابي، منتصف مايو/أيار الماضي، عن تسجيل أكثر من 4 ملايين عاطل عن العمل في عموم مدن العراق، غير أنّ مراقبين ومختصّين يشكّكون في الرقم ويؤكّدون أنه أكبر من ذلك.
وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة، فإنّ العراق يشهد تخرّج أكثر من 45 ألف طالب من الجامعات والمعاهد، ولا يجد أكثر من ألفي شخص منهم وظائف في مجال تخصّصهم.
ولا يقف الطلاب لساعات طويلة أمام البوابة الخامسة بالمنطقة الخضراء فقط، بل هم يعتصمون أيضاً أمام وزارة التعليم، التي أقدمت أخيراً على قطع الأشجار المحيطة بمبنى الوزارة حيث كان العشرات يستظلّون، ما أثار استهجاناً كبيراً.
وتقول ريام محمد، وهي إحدى المعتصمات أمام بوابة المنطقة الخضراء لـ"العربي الجديد"، إنّ سبب خروجهم اليومي للاعتصام هو الحصول على التعيين في أيّ دائرة من دوائر الدولة.
فيما يقول محمد رحيم، الذي أتى إلى بغداد من محافظة كربلاء، جنوبي العراق، إنهم يتعرّضون للضرب والمضايقات من قبل قوات الأمن، ويتم منعهم من التصوير بهواتفهم النقالة. وأضاف رحيم لـ"العربي الجديد"، أنّهم لا يفكرون بالتوقف عن الاعتصام، حتى يحصلوا على حقهم.
واستهجنت الناشطة، دينا محمد، ممارسات قوات الأمن لعرقلة وجودهم بالمكان، وتقول لـ"العربي الجديد" متسائلة: "لماذا يهددون ويضايقون متظاهرا سلميا أعزل، لا يحمل معه إلا القلم وشهادة التخرج، ويمنعونه من إيصال صوته للحكومة؟ إلى متى سيتصرفون بهذه الطريقة"؟
وأوضح مصطفى فهمي، المعتصم القادم من محافظة كركوك، لـ"العربي الجديد: "اعتصمنا أمام المنطقة الخضراء للمطالبة بالتعيين، وهو أبسط حقوقنا، لأننا نعاني من التهميش بسبب تخصّصنا في "الإدارة والاقتصاد"، مقارنة بخريجي الاختصاصات الأخرى كالطبّ ومعهد النفط. نحن خرّيجي الإدارة والاقتصاد، لم يتمّ تعيين أيّ خريج منّا منذ 16 عاماً، أي منذ العام 2003".
ويتساءل فهمي: "ما فائدة تخصّصنا ولماذا ندرس في العراق في غياب التعيينات الحكومية، وفي ظلّ إهمال القطاع الخاص، بل القضاء عليه".
وحول الموضوع، يقول المختصّ بالشأن العراقي، أحمد الحمداني، إن "الخلل هو في سوء التنسيق بين وزارات الدولة، إذ كان العراق سابقاً يعتمد نظاما عاليا يحدّد مدى حاجته الفعلية لخريجي الجامعات وفي أيّ اختصاصات، لكن الآن نرى أنه يتمّ سنوياً تخريج آلاف المعلّمين والمدرّسين، بينما تواصل وزارة التربية اعتذارها وتؤكّد أنها اكتفت، ولم تعد بحاجة إلى توظيف المزيد من المعلمين".
وأضاف لـ"العربي الجديد" أنّ ذلك يشمل باقي التخصّصات، "فمن غير المعقول أن يستمر معهد النفط بتخريج مئات الطلاب سنوياً، والعراق أوقف الاستكشافات، منذ سنوات، ولا تسع منشآته النفطية هذه الأعداد من المتخرّجين".
وأضاف الحمداني أنّ "الحلّ في العراق، الذي يمثّل الشباب فيه نحو 60 في المائة من المجتمع، هو التوجّه إلى تنشيط القطاع الخاص والتخلّي عن ثقافة وظيفة الدولة التي اعتاد العراقيون عليها، لأنّ القطاع الحكومي يعاني أساساً ترهلاً كبيراً في أعداد الموظفين الذين لا يحتاج أحد لخدماتهم".