استيطان رعوي لأراضي دورا بقانون عثماني قديم

19 يوليو 2023
يواصل الاحتلال الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين (مأمون وظوظ/الأناضول)
+ الخط -

تشهد مدينة دورا جنوب غربي الخليل، توسعًا استيطانياً صامتاً يتواصل عبر عدد من وسائل الاحتلال التوسعية التي تشمل منع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم، ثم الاستيلاء عليها باعتبارها مهجورة.
في عام 2018، طرحت الحركة الصهيونية العالمية مخططاً يحمل اسم  "نيجهوت A" يستهدف شرعنة مستوطنة "نيجهوت" المقامة على أراضي الفلسطينيين في محيط مدينة دورا، ويتبعه مخطط "نيجهوت B" الذي من شأنه أن يضم جبلين من أراضي دورا الواقعة شمال وجنوب المستوطنة، وتعمل سلطات الاحتلال على إنجاز المخطط عبر الاستيلاء على مزيد من أراضي أهالي دورا.

ونشر مجلس التخطيط والبناء التابع للإدارة المدنية في جيش الاحتلال الإسرائيلي في 6 مارس/آذار الماضي، إعلاناً حول مخطط استيطاني بمساحة 520 دونماً على حساب أراضي دورا، يقضي ببناء 158 وحدة، لتصبح مساحة مستوطنة "نيجهوت" 811 دونماً قابلة للتوسع، ووفق المخطط فإن الهدف من التوسع هو تغيير المناطق الزراعية إلى مناطق بناء.
يقول أحد أصحاب الأراضي المستولى عليها، وليد أبو شرار، لـ"العربي الجديد"، إن الأراضي تعود لعائلات أبو شرار، والسويطي، وأولاد محمد، وهي محاذية لبلدات فقيقيس، وخربة سلامة، وبيت عوا، ودير سامت، وخرسا، واستولى الاحتلال عليها بزعم أنها مناطق عسكرية، فيما صارت اليوم مستوطنة تتوسع وتحاصر منازل السكان. يضيف أبو شرار: "أصحاب الأراضي يملكون أوراقاً ثبوتية من السلطات المتعاقبة على الأراضي الفلسطينية، وقدموها للقضاء الإسرائيلي أملاً في أن يرد إليهم أراضيهم التي كانت مزروعة بالأشجار المثمرة. دور الجهات الرسمية ضعيف، إذ لم يسألوا فينا، ولم يزورونا، وهناك تقصير كبير تجاه أراضينا، ونخشى أن يصل الاستيلاء إلى منازلنا".
أقيمت مستوطنة "نيجهوت" في عام 1982، وتعتبر أقدم مستوطنة على أراضي دورا، بالإضافة إلى أربع بؤر استيطانية وعسكرية تحيط بالمدينة من جهاتها الشمالية والجنوبية والغربية، وهي ميرشاليم، وأدورا، وبؤرة رعوية لا تحمل اسماً، ومعسكر المجنونة العسكري، وكلها تحاصر مدينة دورا وقراها البالغ عدد سكانها 115 ألف نسمة.
يقول الباحث في مركز أبحاث الأراضي، راجح التلاحمة، لـ"العربي الجديد": "يسعى الاحتلال إلى إحكام الطوق على مناطق غربي دورا عبر ضم وشرعنة بؤرة استيطانية غير شرعية تدعى (ميرشاليم) إلى مستوطنة نيجهوت، بالإضافة إلى عشرة دونمات يمارس عليها المستوطنون ما يعرف بالاستيطان الرعوي، والهدف تحويلها إلى طرق لإقامة مدينة استيطانية تضم وحدات سكنية ومقابر للمستوطنين". ويضيف التلاحمة: "كما يهدد المخطط أراضي السكان، فإنه يهدد بضم أراض جديدة بديلة لمنطقة الاستيطان الرعوي الذي يمارسه المستوطنون بجانب مستوطنة نيجهوت الجديدة. الاحتلال يعتبر الأراضي التي سيطر عليها لتوسيع مستوطنة نيجهوت أملاكاً متروكة، بينما هي في الحقيقة أراض فلسطينية منع الاحتلال أصحابها في ثمانينات القرن الماضي من فلاحتها، ثم أصدر قراراً بالاستيلاء عليها بحجّة أنها أراض لا تتم فلاحتها".

البؤر الرعوية وسيلة للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين (حازم بدر/فرانس برس)
بؤر رعوية هدفها الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين (حازم بدر/فرانس برس)

ويقول محامي هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، صلاح الشلالدة، لـ"العربي الجديد": "ينص القانون العثماني الصادر في عام 1858 على أن أي أرض غير مفلوحة لمدة عشر سنوات، من حق السلطات إعلانها أملاك دولة، ويستغل الاحتلال الإسرائيلي هذا القانون في تطبيقه على أملاك الفلسطينيين في الوقت الحالي. قدمنا اعتراضاً بأسماء المالكين لأننا نملك طابو عثمانيا لبعض الأراضي، لكن الحلّ الوحيد في محاكم الاحتلال هو تقديم أوراق طابو أو صور جوية تثبت أن الأراضي زراعية ومستخدمة، وهذا غير متاح. سنضع ممارسة الاستيطان الرعوي ضمن ملف الانتهاكات في القضية، والمؤشرات إيجابية حول الأوراق التي نمتلكها، والتي نتابعها مع خبراء الجغرافيا والقانون".
ويعتبر الاستيطان الرعوي أحد أبرز أساليب الاحتلال التوسعية في مناطق غربي دورا، وفي الأغوار، لكونه تحايلا تتم من خلاله السيطرة على مناطق زراعية بدون أوامر عسكرية أو قانونية، تمهيداً لتحويلها إلى بؤرة استيطانية أو منطقة عسكرية مغلقة.
ويهدد الاستيطان الرعوي ما تبقى من أراضي مدينة دورا، إذ كانت مساحة المدينة مع قراها تبلغ 240 ألف دونم، التهم الاحتلال منها نحو 95 ألف دونم منها، ويسعى حالياً للتوسع في مناطقها الغربية لأهداف من أبرزها قطع مصدر الرزق الزراعي للسكان، فمعظم الأراضي المصنفة (ج) في الجنوب والغرب مزروعة بالزيتون والعنب، بالإضافة إلى حصر توسع الناس في مناطق (أ) محدودة المساحة، ما يؤدي إلى التضخم السكاني، والتراجع الاقتصادي.

ويرى مراقبون أن نهج الاحتلال الاستيطاني يسعى في التعامل مع مناطق الخليل إلى إقامة بؤر استيطانية بشكل مختلف عن المناطق الأخرى، وتحديداً عبر إحاطة المنطقة المستهدفة من جهات عدة لخنقها وتقليص مساحة أراضيها، ثم اعتبارها مناطق غير قابلة للسكن عبر منع البناء فيها بحجّة قربها من المستوطنات، وتصنيفها مناطق "ج" تابعة للسلطات الإسرائيلية وفق اتفاقية أوسلو، بالإضافة إلى دفع المستوطنين نحو رعي أغنامهم فيها، أو منع أصحاب الأراضي الزراعية من الوصول إليها، وذلك كله تمهيداً لمرحلة التهجير.
وخلال السنوات القليلة الماضية، بدأت فكرة إقامة بؤر استيطانية رعوية يقيم فيها مستوطن أو مجموعة من المستوطنين، لكن المستوطنين يرعون أغنامهم ومواشيهم في مساحات تصل إلى مئات الدونمات، وهو ما يمنع الفلسطينيين من الوصول إليها، وسط خشية من السيطرة الكاملة عليها، وإقامة مشاريع استيطانية فيها مستقبلاً.

المساهمون